فلما سمعها معاوية لم يزل ذلك في نفسه حتى كان ما كان على ما سنذكره في موضعه إن شاء الله وبه الثقة. قال ابن جرير: وفي هذه السنة مات أبو عبس بن جبير بالمدينة وهو بدري. ومات أيضا مسطح بن أثاثة. وغافل بن البكير. وحج بالناس في هذه السنة عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه.
[ثم دخلت سنة خمس وثلاثين]
[ففيها مقتل عثمان بن عفان ﵁]
وكان السبب في ذلك أن عمرو بن العاص حين عزله عثمان عن مصر ولى عليها عبد الله بن سعد ابن أبى سرح. وكان سبب ذلك أن الخوارج من المصريين كانوا محصورين من عمرو بن العاص مقهورين معه لا يستطيعون أن يتكلموا بسوء في خليفة ولا أمير فما زالوا حتى شكوه إلى عثمان لينزعه عنهم ويولى عليهم من هو ألين منه. فلم يزل ذلك دأبهم حتى عزل عمرا عن الحرب وتركه على الصلاة، وولى على الحرب والخراج عبد الله بن سعد بن أبى سرح. ثم سعوا فيما بينهما بالنميمة فوقع بينهما، حتى كان بينهما، كلام قبيح. فأرسل عثمان فجمع لابن أبى سرح جميع عمالة مصر، خراجها [وحربها] وصلاتها، وبعث إلى عمرو يقول له: لا خير لك في المقام عند من يكرهك، فأقدم إلى، فانتقل عمرو بن العاص إلى المدينة وفي نفسه من عثمان أمر عظيم وشر كبير فكلمه فيما كان من أمره بنفس، وتقاولا في ذلك، وافتخر عمرو بن العاص بأبيه على عثمان، وأنه كان أعز منه. فقال له عثمان: دع هذا فإنه من أمر الجاهلية. وجعل عمرو بن العاص يؤلب الناس على عثمان. وكان بمصر جماعة يبغضون عثمان ويتكلمون فيه بكلام قبيح على ما قدمنا، وينقمون عليه في عزله جماعة من عليّة الصحابة وتوليته من دونهم، أو من لا يصلح عندهم للولاية.
وكره أهل مصر عبد الله بن سعد بن أبى سرح، بعد عمرو بن العاص، واشتغل عبد الله بن سعد عنهم بقتال أهل المغرب، وفتحه بلاد البربر والأندلس وإفريقية. ونشأ بمصر طائفة من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حربه والإنكار عليه، وكان عظم ذلك مسندا إلى محمد بن أبى بكر، ومحمد بن أبى حذيفة، حتى استنفرا نحوا من ستمائة راكب يذهبون إلى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب، لينكروا على عثمان فساروا إليها تحت أربع رفاق، وأمر الجميع إلى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وعبد الرحمن بن عديس البلوى، وكنانة بن بشر التجيبي، وسودان بن حمران السكونيّ. وأقبل معهم محمد بن أبى بكر، وأقام بمصر محمد بن أبى حذيفة يؤلب الناس ويدافع عن هؤلاء. وكتب عبد الله بن سعد بن أبى سرح إلى عثمان يعلمه بقدوم هؤلاء القوم إلى المدينة منكرين عليه في صفة معتمرين. فلما اقتربوا من المدينة أمر عثمان على بن أبى طالب أن يخرج إليهم ليردهم إلى بلادهم قبل أن يدخلوا المدينة. ويقال: بل ندب الناس إليهم، فانتدب على لذلك فبعثه،