يلومه على ذلك ويقول: ما على هذا استوزرتنى، ولا على هذا صحبتك، أبعد الصلوات الخمس في المسجد الحرام يشرب الخمر ويغنى بين يديك؟ فيقول له المهدي: فقد سمع عبد الله بن جعفر، فقال له يعقوب: إن ذلك لم يكن له من حسناته، ولو كان هذا قربة لكان كلما داوم عليه العبد أفضل. وفي ذلك يقول بعض الشعراء حثا للمهدي على ذلك:
فدع عنك يعقوب بن داود جانبا … وأقبل على صهباء طيبة النشر
وفيها ذهب المهدي إلى قصره المسمى بعيساباذ - بنى له بالآجر بعد القصر الأول الّذي بناه باللبن - فسكنه وضرب هناك الدراهم والدنانير. وفيها أمر المهدي بإقامة البريد بين مكة والمدينة واليمن ولم يفعل أحد هذا قبل هذه السنة. وفيها خرج موسى الهادي إلى جرجان. وفيها ولى القضاء أبا يوسف صاحب أبى حنيفة. وفيها حج بالناس إبراهيم بن يحيى بن محمد عامل الكوفة. ولم يكن في هذه السنة صائفة للهدنة التي كانت بين الرشيد وبين الروم. وفيها توفى صدقة بن عبد الله السمن، وأبو الأشهب العطاردي، وأبو بكر النهشلي، وعفير بن معدان.
[ثم دخلت سنة سبع وستين ومائة]
فيها وجه المهدي ابنه موسى الهادي إلى جرجان في جيش كثيف لم ير مثله، وجعل على رسائله أبان بن صدقة. وفيها توفى عيسى بن موسى الّذي كان ولى العهد من بعد المهدي: مات بالكوفة فأشهد نائبها روح بن حاتم على وفاته القاضي وجماعة من الأعيان. ثم دفن. وكان قد امتنع من الصلاة عليه فكتب إليه المهدي يعنفه أشد التعنيف، وأمر بمحاسبته على عمله. وفيها عزل المهدي أبا عبيد الله معاوية بن عبيد الله عن ديوان الرسائل وولاه الربيع بن يونس الحاجب، فاستخلف فيه سعيد بن واقد وكان أبو عبيد الله يدخل على مرتبته. وفيها وقع وباء شديد وسعال كثير ببغداد والبصرة، وأظلمت الدنيا حتى كانت كالليل حتى تعالى النهار، وكان ذلك لليال بقين من ذي الحجة من هذه السنة. وفيها تتبع المهدي جماعة من الزنادقة في سائر الآفاق فاستحضرهم وقتلهم صبرا بين يديه، وكان المتولي أمر الزنادقة عمر الكلواذي. وفيها أمر المهدي بزيادة كثيرة في المسجد الحرام، فدخل في ذلك دور كثيرة، وولى ذلك ليقطين بن موسى الموكل بأمر الحرمين، فلم يزل في عمارة ذلك حتى مات المهدي كما سيأتي. ولم يكن للناس صائفة للهدنة. وحج بالناس نائب المدينة إبراهيم بن محمد.
وتوفى بعد فراغه من الحج بأيام. وولى مكانه إسحاق بن عيسى بن على بن عبد الله بن عباس.
وممن توفى فيها من الأعيان.
بشار بن برد أبو معاذ الشاعر مولى عقيل، ولد أعمى، وقال الشعر وهو دون عشر سنين، وله التشبيهات التي لم يهتد إليها البصراء. وقد أثنى عليه الأصمعي والجاحظ وأبو تمام وأبو عبيدة، وقال