وقد شرفت المدينة أيضا بهجرته ﵇ اليها وصارت كهفا لأولياء الله وعباده الصالحين ومعقلا وحصنا منيعا للمسلمين، ودار هدى للعالمين. والأحاديث في فضلها كثيرة جدا لها موضع آخر نوردها فيه إن شاء الله. وقد ثبت
في الصحيحين من طريق حبيب بن يساف عن جعفر بن عاصم عن أبى هريرة. قال قال رسول الله ﷺ«إن الايمان ليأرز الى المدينة كما تأرز الحية الى جحرها» ورواه مسلم أيضا عن محمد بن رافع عن شبابة عن عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر عن النبي ﷺ نحوه.
وفي الصحيحين أيضا من حديث مالك عن يحيى ابن سعيد أنه سمع أبا الحباب سعيد بن يسار سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله ﷺ: «أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب وهي المدينة تنقى الناس كما ينقى الكير خبث الحديد (١)» وقد انفرد الامام مالك عن بقية الأئمة الأربعة بتفضيلها على مكة. وقد
قال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنى أبو الوليد وأبو بكر بن عبد الله قالا ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو موسى الأنصاري ثنا سعيد بن سعيد حدثني أخى عن أبى هريرة أن رسول الله ﷺ قال:«اللهمّ انك أخرجتنى من أحب البلاد الى فاسكنى أحب البلاد إليك» فأسكنه الله المدينة. وهذا حديث غريب جدا والمشهور عن الجمهور أن مكة أفضل من المدينة إلا المكان الّذي ضم جسد رسول الله ﷺ، وقد استدل الجمهور على ذلك بأدلة يطول ذكرها هاهنا ومحلها ذكرناها في كتاب المناسك من الأحكام إن شاء الله تعالى. وأشهر دليل لهم في ذلك ما
قال الامام احمد حدثنا أبو اليمان ثنا شعيب عن الزهري أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عدي بن الحمراء أخبره أنه سمع النبي ﷺ وهو واقف بالحزورة في سوق مكة يقول:«والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله الى، ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت» وكذا رواه احمد عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح بن كيسان عن الزهري به. وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث الليث عن عقيل عن الزهري به. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقد رواه يونس عن الزهري به. ورواه محمد بن عمرو عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة، وحديث الزهري عندي أصح.
قال الامام احمد:
حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة. قال: وقف رسول الله ﷺ على الحزورة فقال: «علمت أنك خير أرض الله وأحب الأرض الى الله، ولولا
(١) جاء في النهاية: تنفى بالفاء تخرجه عنها من النفي، وتنقى بالقاف من إخراج النقي وهو المخ أو من التنقية وهي افراد الجيد من الرديء.