فانتهره وأمره بالإقامة وتقدم يوسف فصلى وقرأ ﴿إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ﴾ و ﴿سَأَلَ سائِلٌ﴾ ثم انصرف فبعث إلى خالد وطارق وأصحابهما، فاحضروا فأخذ منهم أموالا كثيرة، صادر خالدا بمائة ألف ألف درهم، وكانت ولاية خالد في شوال سنة خمس ومائة، وعزل عنها في جمادى الأولى من هذه السنة - أعنى سنة عشرين ومائة - وفي هذا الشهر قدم يوسف بن عمر على ولاية العراق مكان خالد بن عبد الله القسري، واستناب على خراسان جديع بن على الكرماني، وعزل جعفر بن حنظلة الّذي كان استنابه أسد، ثم إن يوسف بن عمر عزل جديعا في هذه السنة عن خراسان، وولى عليها نصر ابن سيار، وذهب جميع ما كان اقتناه وحصله خالد من العقار والأملاك وهلة واحدة، وقد كان أشار عليه بعض أصحابه لما بلغهم عتب هشام عليه أن يبعث إليه يعرض عليه بعض أملاكه، فما أحب منها أخذه وما شاء ترك، وقالوا له: لأن يذهب البعض خير من أن يذهب الجميع مع العزل والاخراق فامتنع من ذلك واغتر بالدنيا وعزت نفسه عليه أن يذل، ففجأه العزل، وذهب ما كان حصله وجمعه ومنعه، واستقرت ولاية يوسف بن عمر على العراق وخراسان، واستقرت نيابة نصر بن سيار على خراسان، فتمهدت البلاد وأمن العباد ولله الحمد والمنة. وقد قال سوار بن الأشعري في ذلك:
أضحت خراسان بعد الخوف آمنة … من ظلم كل غشوم الحكم جبار
لما أتى يوسفا اخبار ما لقيت … اختار نصرا لها نصر بن سيار
وفي هذه السنة استبطأت شيعة آل العباس كتاب محمد بن على إليهم، وقد كان عتب عليهم في اتباعهم ذلك الزنديق الملقب بخداش، وكان خرّميا. وهو الّذي أحل لهم المنكرات ودنّس المحارم والمصاهرات، فقتله خالد القسري كما تقدم، فعتب عليهم محمد بن على في تصديقهم له واتباعهم إياه على الباطل، فلما استبطئوا كتابه إليهم بعث إليهم رسولا يخبر لهم أمره، وبعثوا هم أيضا رسولا، فلما جاء رسولهم أعلمه محمد بماذا عتب عليهم بسبب الخرّمى، ثم أرسل مع الرسول كتابا مختوما، فلما فتحوه لم يجدوا فيه سوى: بسم الله الرحمن الرحيم، تعلموا أنه إنما عتبنا عليكم بسبب الخرمى. ثم أرسل رسولا إليهم فلم يصدقه كثير منهم وهموا به، ثم جاءت من جهته عصى ملويا عليها حديد ونحاس، فعلموا أن هذا إشارة لهم إلى أنهم عصاة، وأنهم مختلفون كاختلاف ألوان النحاس والحديد. قال ابن جرير: وحج بالناس فيها محمد بن هشام المخزومي فيما قاله أبو معشر، قال: وقد قيل إن الّذي حج بالناس سليمان بن هشام بن عبد الملك، وقيل ابنه يزيد بن هشام فالله ﷾ أعلم،
[ثم دخلت سنة إحدى وعشرين ومائة]
ففيها غزا مسلمة بن هشام الروم فافتتح مطامير وهو حصن، وافتتح مروان بن محمد بلاد صاحب الذهب، وأخذ قلاعه وخرب أرضه، فأذعن له بالجزية في كل سنة بألف رأس يؤديها إليه، وأعطاه