للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم، وصلوا أرحام من قطعكم وعودوا بالفضل على من حرمكم، وإذ عاهدتم فأوفوا، وإذا حكمتم فاعدلوا، ولا تفاخروا بالآباء، ولا تنابزوا بالألقاب، ولا نمازحوا، ولا يغضب بعضكم بعضا، وأعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وارحموا الأرملة واليتيم، وأفشوا السلام وردوا التحية على أهلها بمثلها أو بأحسن منها ﴿وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاِتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ وأكرموا الضيف، وأحسنوا إلى الجار، وعودوا المرضى، وشيعوا الجنائز، وكونوا عباد الله إخوانا، أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أظلت وأشرفت باطلاع، وان المضمار اليوم وغدا السباق وإن السبقة الجنة والغاية النار، ألا وإنكم في أيام مهل من ورائها أجل يحثه عجل، فمن أخلص لله عمله في أيام مهلة قبل حضور أجله فقد أحسن عمله ونال أمله، ومن قصر عن ذلك فقد خسر عمله وخاب أمله، وضره أمله، فاعملوا في الرغبة والرهبة فان نزلت بكم رغبة فاشكروا الله وأجمعوا معها رهبة، وإن نزلت بكم رهبة فاذكروا الله وأجمعوا معها رغبة، فان الله قد تأذن المسلمين بالحسنى، ولمن شكر بالزيادة، وإني لم أر مثل الجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها، ولا أكثر مكتسبا من شيء كسبه ليوم تدخر فيه الذخائر، وتبلى فيه السرائر، وتجتمع فيه الكبائر، وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل، ومن لا يستقيم به الهدى يجر به الضلال، ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك، ومن لا ينفعه حاضره فعازبه عنه أعور، وغائبة عنه أعجز: وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد، ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم اثنان طول الأمل واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسى الآخرة، وأما اتباع الهوى فيبعد عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة إن استطعتم، ولا تكونوا من بنى الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل، وهذه خطبة بليغة نافعة جامعة للخير ناهية عن الشر.

وقد روى لها شواهد من وجوه أخر متصلة ولله الحمد والمنة. وقد ذكر ابن جرير: أن عليا لما نكل أهل العراق عن الذهاب إلى الشام خطبهم فوبخهم وأنبهم وتوعدهم وهددهم وتلا عليهم آيات في الجهاد من سور متفرقة، وحث على المسير إلى عدوهم فأبوا من ذلك وخالفوه ولم يوافقوه، واستمروا في بلادهم، وتفرقوا عنه هاهنا وهاهنا، فدخل على الكوفة

[فصل]

وقد ذكر الهيثم بن عدي أنه خرج على على بعد النهروان رجل يقال له: الحارث بن راشد الناجي، قدم مع أهل البصرة، فقال لعلى: إنك قد قاتلت أهل النهروان في كونهم أنكروا عليك

<<  <  ج: ص:  >  >>