فغمضه النبي ﷺ وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسله قال: يا أنس ائت أمه، فأعلمها فأعلمتها، قال:
فجاءت حتى جلست عند قدميه، فأخذت بهما ثم قالت: اللهمّ إني أسلمت لك طوعا، وخلعت الأوثان، فلا تحمّلني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحمله، قال: فو الله ما انقضى كلامها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه، وعاش حتى قبض الله رسوله ﷺ، وحتى هلكت أمه، قال أنس:
ثم جهز عمر بن الخطاب جيشا واستعمل عليهم العلاء بن الحضرميّ، قال أنس: وكنت في غزاته، فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا آثار الماء، والحر شديد، فجهدنا العطش ودوابنا، وذلك يوم الجمعة، فلما مالت الشمس لغروبها صلّى بنا ركعتين ثم مد يده إلى السماء وما نرى في السماء شيئا، قال: فو الله ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا، قال: ثم أتينا عدونا وقد جاوز خليجا في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا على يا عظيم، يا حليم يا كريم، ثم قال: أجيزوا بسم الله، قال: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فلم نلبث إلا يسيرا فأصبنا العدو عليه، فقتلنا وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج، فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، ثم ذكر موت العلاء ودفنهم إياه في أرض لا تقبل الموتى، ثم إنهم حفروا عليه لينقلوه منها إلى غيرها فلم يجدوه ثم، وإذا اللحد يتلألأ نورا، فأعادوا التراب عليه ثم ارتحلوا * فهذا السياق أتم، وفيه قصة المرأة التي أحيى الله لها ولدها بدعائها، وسننبه على ذلك فيما يتعلق بمعجزات المسيح عيسى بن مريم، مع ما يشابهها إن شاء الله تعالى، كما سنشير إلى قصة العلاء هذه مع ما سنورده معها هاهنا، فيما يتعلق بمعجزات موسى ﵇، في قصة فلق البحر لبني إسرائيل، وقد أرشد إلى ذلك شيخنا في عيون كلامه *
قصة أخرى تشبه قصة العلاء بن الحضرميّ
روى البيهقي في الدلائل - وقد تقدم ذلك أيضا - من طريق سليمان بن مروان الأعمش عن بعض أصحابه، قال: انتهينا إلى دجلة وهي مادة والأعاجم خلفها، فقال رجل من المسلمين: بسم الله، ثم اقتحم بفرسه فارتفع على الماء، فقال الناس: بسم الله، ثم اقتحموا فارتفعوا على الماء، فنظر إليهم الأعاجم وقالوا: ديوان، ديوان، أي مجانين، ثم ذهبوا على وجوههم، قال فما فقد الناس إلا قدحا كان معلقا بعذبة سرج، فلما خرجوا أصابوا الغنائم واقتسموا، فجعل الرجل يقول: من يبادل صفراء ببيضاء؟ وقد ذكرنا في السيرة العمرية وأيامها، وفي التفسير أيضا: أن أول من اقتحم دجلة يومئذ أبو عبيدة النفيعى أمير الجيوش في أيام عمر بن الخطاب ﵁، وأنه نظر إلى دجلة فتلا قوله تعالى: ﴿وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً﴾ ثم سمى الله تعالى واقتحم بفرسه الماء واقتحم الجيش وراءه، ولما نظر إليهم الأعاجم يفعلون ذلك جعلوا يقولون: ديوان ديوان، أي