قال بالذي أمهلك لما أمهلتنى، ثم أذنب العبد ثانيا فأراد عقوبته فقال له مثل ذلك فعفا عنه، ثم أذنب الثالثة فعاقبه وهو لا يتكلم فقال له ابن عمر: ما لك لم تقل مثل ما قلت في الأولتين؟ فقال:
يا سيدي حياء من حلمك مع تكرار جرمي. فبكى ابن عمر وقال: أنا أحق بالحياء من ربى، أنت حر لوجه الله تعالى. ومن شعره يمدح الخليفة.
يا من إذا بخل السحاب بمائه … هطلت يداه على البرية عسجدا
جورت كسرى يا مبخل حاتم … فغدت بنو الآمال نحوك سجدا
وقد أورد له ابن الساعي أشعارا كثيرة حسنة رحمه الله تعالى.
[الشيخ أبو عمرو بن الحاجب]
المالكي عثمان بن عمر بن أبى بكر بن يونس الروينى ثم المصري، العلامة أبو عمرو شيخ المالكية كان أبوه صاحبا للأمير عز الدين موسك الصلاحى، واشتغل هو بالعلم فقرأ القراءات وحرر النحو تحريرا بليغا، وتفقه وساد أهل عصره، ثم كان رأسا في علوم كثيرة، منها الأصول والفروع والعربية والتصريف والعروض والتفسير وغير ذلك. وقد كان استوطن دمشق في سنة سبع عشرة وستمائة، ودرس بها للمالكية بالجامع حتى كان خروجه بصحبة الشيخ عز الدين بن عبد السلام في سنة ثمان وثلاثين، فصارا إلى الديار المصرية حتى كانت وفاة الشيخ أبى عمرو في هذه السنة بالإسكندرية، ودفن بالمقبرة التي بين المنارة والبلد. قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: وكان من أذكى الأئمة قريحة، وكان ثقة حجة متواضعا عفيفا كثير الحياء منصفا محبا للعلم وأهله، ناشرا له محتملا للأذى صبورا على البلوى، قدم دمشق مرارا آخرها سنة سبع عشرة، فأقام بها مدرسا للمالكية وشيخا للمستفيدين عليه في علمي القراءات والعربية، وكان ركنا من أركان الدين في العلم والعمل، بارعا في العلوم متقنا لمذهب مالك بن أنس رحمه الله تعالى. وقد أثنى عليه ابن خلكان ثناء كثيرا، وذكر أنه جاء إليه في أداء شهادة حين كان نائبا في الحكم بمصر وسأله عن مسألة اعتراض الشرط على الشرط، إذا قال إن أكلت إن شربت فأنت طالق، لم كان يقع الطلاق حين شربت أولا؟ وذكر أنه أجاب عن ذلك في تؤدة وسكون. قلت ومختصره في الفقه من أحسن المختصرات، انتظم فيه فوائد ابن شاش، ومختصره في أصول الفقه، استوعب فيه عامة فوائد الأحكام لسيف الدين الآمدي، وقد من الله تعالى على بحفظه وجمعت كراريس في الكلام على ما أودعه فيه من الأحاديث النبويّة، ولله الحمد. وله شرح المفصل والأمالي في العربية والمقدمة المشهورة في النحو، اختصر فيها مفصل الزمخشريّ وشرحها، وقد شرحها غيره أيضا، وله التصريف وشرحه، وله عروض على وزن الشاطبية ﵀ ورضى عنه.