للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إسماعيل بن جامع]

ابن إسماعيل بن عبد الله بن المطلب بن أبي وداعة (١) أبو القاسم، أحد المشاهير بالغناء، كان ممن يضرب به المثل، وقد كان أولا يحفظ القرآن ثم صار إلى صناعة الغناء وترك القرآن، وذكر عنه أبو الفرج بن علي بن الحسين صاحب الأغاني حكايات غريبة، من ذلك أنه قال كنت يوما مشرفا من غرفة (٢) بحران إذ أقبلت جارية سوداء معها قربة تستقي الماء، فجلست ووضعت قربتها واندفعت تغني:

إلى الله أشكو بخلها وسماحتي … لها عسل مني وتبذل علقما

فردّي مصاب القلب أنت قتلته … ولا تتركيه هائم القلب مغرما (٣)

قال: فسمعت ما لا صبر لي عنه ورجوت أن تعيده فقامت وانصرفت، فنزلت وانطلقت وراءها وسألتها أن تعيده فقالت: إن عليّ خراجا كل يوم درهمين، فأعطيتها درهمين فأعادته فحفظته وسلكته يومي ذلك، فلما أصبحت أنسيته فأقبلت السوداء فسألتها أن تعيده فلم تفعل إلا بدرهمين، ثم قالت:

كأنك تستكثر أربعة دراهم، كأني بك وقد أخذت عليه أربعة آلاف دينار. قال فغنيته ليلة للرشيد فأعطاني ألف دينار، ثم استعادنيه ثلاث مرات أخرى وأعطاني ثلاثة آلاف دينار، فتبسمت فقال: مم تبسمت؟ فذكرت له القصة فضحك وألقى إليّ كيسا آخر فيه ألف دينار. وقال: لا أكذب السوداء.

وحكى عنه أيضا قال: أصبحت يوما بالمدينة وليس معي إلا ثلاثة دراهم، فإذا جارية على رقبتها جرة تريد الركي (٤) وهي تسعى وتترنم بصوت شجي:

شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا … فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا

وذاك لأن النوم يغشى عيونهم … سريعا ولا يغشى (٥) لنا النوم أعينا

إذا ما دنا الليل المضر بذي الهوى … جزعنا وهم يستبشرون إذا دنا

فلو أنهم كانوا يلاقون مثلما … نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا

قال: فاستعدته منها وأعطيتها الدراهم الثلاثة فقالت: لتأخذن بدلها ألف دينار، وألف دينار وألف دينار. فأعطاني الرشيد ثلاثة آلاف دينار في ليلة على ذلك الصوت. وفيها توفي:

[بكر بن النطاح]

أبو وائل الحنفي البصري الشاعر المشهور، نزل بغداد زمن الرشيد، وكان يخالط أبا العتاهية.

قال أبو عفان: أشعر أهل العدل من المحدثين أربعة، أو لهم بكر بن النطاح. وقال المبرد: سمعت الحسن بن رجاء يقول اجتمع جماعة من الشعراء ومعهم بكر بن النطاح يتناشدون، فلما فرغوا من


(١) اسم أبي وداعة: الحارث أسر يوم بدر وفداه ابنه المطلب بأربعة آلاف درهم. وهو أول أسير فدي يوم بدر.
(٢) في الأغاني ٦/ ٣٣٥: مشرعة. والمشرعة مورد الشاربة التي يشرعها الناس فيشربون منها ويستقون. وتسمي العرب المشرعة إذا كان الماء فيها لا انقطاع له كماء الأنهار.
(٣) ويروى: ولا تبعدي فيما تجشمت كلثما.
(٤) الركي: جنس للركية وهي البئر.
(٥) في الأغاني ٦/ ٣١١: سراعا وما يغشى.

<<  <  ج: ص:  >  >>