للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدخل عبد الغنى إلى مصر واسكندرية، ثم عاد إلى دمشق، ثم ارتحل إلى الجزيرة وبغداد، ثم رحل إلى أصبهان فسمع بها الكثير، ووقف على مصنف للحافظ أبى نعيم في أسماء الصحابة، قلت: وهو عندي بخط أبى نعيم. فأخذ في مناقشته في أماكن من الكتاب في مائة وتسعين موضعا، فغضب بنو الخجنديّ من ذلك، فبغضوه وأخرجوه منها مختفيا في إزار. ولما دخل في طريقه إلى الموصل سمع كتاب العقيلي في الجرح والتعديل، فثار عليه الحنفية بسبب أبى حنيفة، فخرج منها أيضا خائفا يترقب، فلما ورد دمشق كان يقرأ الحديث بعد صلاة الجمعة برواق الحنابلة من جامع دمشق، فاجتمع الناس عليه وإليه، وكان رقيق القلب سريع الدمعة، فحصل له قبول من الناس جدا، فحسده بنو الزكي والدولعى وكبار الدماشقة من الشافعية وبعض الحنابلة، وجهزوا الناصح الحنبلي، فتكلم تحت قبة النسر، وأمروه أن يجهر بصوته مهما أمكنه، حتى يشوش عليه، فحول عبد الغنى ميعاده إلى بعد العصر فذكر يوما عقيدته على الكرسي فثار عليه القاضي ابن الزكي، وضياء الدين الدولعى، وعقدوا له مجلسا في القلعة يوم الاثنين الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة خمس وتسعين. وتكلموا معه في مسألة العلو ومسألة النزول، ومسألة الحرف والصوت، وطال الكلام وظهر عليهم بالحجة، فقال له برغش نائب القلعة: كل هؤلاء على الضلالة وأنت على الحق؟ [قال نعم] فغضب برغش من ذلك وأمره بالخروج من البلد، فارتحل بعد ثلاث إلى بعلبكّ، ثم إلى القاهرة، فآواه الطحانيون فكان يقرأ الحديث بها فثار عليه الفقهاء بمصر أيضا وكتبوا إلى الوزير صفى الدين بن شكر فأقر بنفيه إلى المغرب فمات قبل وصول الكتاب يوم الاثنين الثالث والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة، وله سبع وخمسون سنة، ودفن بالقرافة عند الشيخ أبى عمرو بن مرزوق رحمهما الله. قال السبط: كان عبد الغنى ورعا زاهدا عابدا، يصلى كل يوم ثلاثمائة ركعة كورد الامام أحمد، ويقوم الليل ويصوم عامة السنة، وكان كريما جوادا لا يدخر شيئا، ويتصدق على الأرامل والأيتام حيث لا يراه أحد، وكان يرقع ثوبه ويؤثر بثمن الجديد، وكان قد ضعف بصره من كثرة المطالعة والبكاء وكان أوحد زمانه في علم الحديث والحفظ. قلت: وقد هذب شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي كتابه الكمال في أسماء الرجال - رجال الكتب الستة - بتهذيبه الّذي استدرك عليه فيه أماكن كثيرة، نحوا من ألف موضع، وذلك الامام المزي الّذي لا يمارى ولا يجارى، وكتابه التهذيب لم يسبق إلى مثله، ولا يلحق في شكله فرحمهما الله، فلقد كانا نادرين في زمانهما في أسماء الرجال حفظا وإتقانا وسماعا وإسماعا وسردا للمتون وأسماء الرجال، والحاسد لا يفلح ولا ينال منالا طائلا.

قال ابن الأثير: وفيها توفى. أبو الفتوح أسعد بن محمود العجليّ

صاحب تتمة التتمة أسعد بن أبى الفضل بن محمود بن خلف العجليّ الفقيه الشافعيّ الأصبهاني

<<  <  ج: ص:  >  >>