للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضربه بين يديه مائة وخمسين سوطا، منها ثلاثون فوق رأسه، أصاب أحدها عينه فسالت، ثم رده إلى السجن وقد بقي كأنه عبد أسود من زرقة الضرب، وتراكم الدماء فوق جلده، فأجلس إلى جانب أخيه لأمه عبد الله بن حسن، فاستسقى ماء فما جسر أحد أن يسقيه حتى سقاه خراسانى من جملة الجلاوزة الموكلين بهم. ثم ركب المنصور هودجه وأركبوا أولئك في محامل ضيقة، وعليهم القيود والأغلال، فاجتاز بهم المنصور وهو في هودجه، فناداه عبد الله بن حسن: والله يا أبا جعفر ما هكذا صنعنا بأسرائكم يوم بدر، فأخسا ذلك المنصور وثقل عليه ونفر عنهم. ولما انتهوا إلى العراق حبسوا بالهاشمية، وكان فيهم محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن حسن، وكان جميلا فتيا، فكان الناس يذهبون لينظروا إلى حسنه وجماله. وكان يقال له: الديباج الأصفر، فأحضره المنصور بين يديه وقال له:

أما لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا. ثم ألقاه بين أسطوانتين وسد عليه حتى مات. فعلى المنصور ما يستحقه من عذاب الله ولعنته. وقد هلك كثير منهم في السجن حتى فرج عنهم بعد هلاك المنصور على ما سنذكره. فكان فيمن هلك في السجن عبد الله بن حسن بن حسن بن على بن أبى طالب، وقد قيل والأظهر أنه قتل صبرا، وأخوه إبراهيم بن الحسن وغيرهما، وقل من خرج منهم من الحبس، وقد جعلهم المنصور في سجن لا يسمعون فيه أذانا، ولا يعرفون فيه وقت صلاة إلا بالتلاوة، ثم بعث أهل خراسان يشفعون في محمد بن عبد الله العثماني، فأمر به فضربت عنقه وأرسل برأسه إلى أهل خراسان، لا جزاه الله خيرا، ورحم الله محمد بن عبد الله العثماني.

وهو محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي ، أبو عبد الله المدني المعروف بالديباج، لحسن وجهه. وأمه فاطمة بنت الحسين بن على، روى الحديث عن أبيه وأمه وخارجة بن زيد وطاوس وأبى الزناد والزهري ونافع وغيرهم، وحدث عنه جماعة، ووثقه النسائي وابن حبان، وكان أخا عبد الله بن حسن لأمه، وكانت ابنته رقية زوجة ابن أخيه إبراهيم بن عبد الله، وكانت من أحسن النساء، وبسببها قتله أبو جعفر المنصور في هذه السنة. وكان كريما جوادا ممدحا. قال الزبير بن بكار: أنشدنى سليمان بن عباس السعدي لأبى وجرة السعدي يمدحه.

وجدنا المحض الاّ بيض من قريش … فتى بين الخليفة والرسول

أتاك المجد من هنا وهناك … وكنت له بمعتلج السيول

فما للمجد دونك من مبيت … وما للمجد دونك من مقيل

ولا يمضى وراءك يبتغيه … ولا هو قابل بك من بديل

[ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائة]

فمما كان فيها من الأحداث مخرج محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة وأخيه إبراهيم بالبصرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>