للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسجد ليفكر من يولى. فنام من الهم فجاءه المغيرة فجعل يحرسه حتى استيقظ فقال له: إن هذا الأمر عظيم يا أمير المؤمنين، الّذي بلغ بك هذا. قال: وكيف وأهل الكوفة مائة ألف لا يرضون عن أمير ولا يرضى عنهم أمير. ثم جمع الصحابة واستشارهم، هل يولى عليهم قويا مشددا أو ضعيفا مسلما؟ فقال له المغيرة بن شعبة: يا أمير المؤمنين، إن القوى قوته لك وللمسلمين وتشديده لنفسه، وأما الضعيف المسلم فضعفه عليك وعلى المسلمين وإسلامه لنفسه. فقال عمر للمغيرة - واستحسن ما قال له -:

اذهب فقد وليتك الكوفة. فرده إليها بعد ما كان عزله عنها بسبب ما كان شهد عليه الذين تقدم حدهم بسبب قذفه، والعلم عند الله ﷿. وبعث أبا موسى الأشعري إلى البصرة [فقيل لعمار:

أساءك العزل؟ فقال: والله ما سرتني الولاية، ولقد ساءني العزل. وفي رواية أن الّذي سأله عن ذلك عمر ] (١) ثم أراد عمر أن يبعث سعد بن أبى وقاص على الكوفة بدل المغيرة فعاجلته المنية في سنة ثلاث وعشرين على ما سيأتي بيانه، ولهذا أوصى لسعد به.

قال الواقدي: وفي هذه السنة غزا الأحنف بن قيس بلاد خراسان، وقصد البلد الّذي فيه يزدجرد ملك الفرس. قال ابن جرير: وزعم سيف أن هذا كان في سنة ثماني عشرة. قلت:

والأول هو المشهور والله أعلم.

قصة يزدجرد بن شهريار بن كسرى الّذي كان ملك الفرس

لما استلب سعد من يديه مدينة ملكه، ودار مقره، وإيوان سلطانه، وبساط مشورته وحواصله، تحول من هناك إلى حلوان، ثم جاء المسلمون ليحاصروا حلوان فتحول إلى الري، وأخذ المسلمون حلوان ثم أخذت الري، فتحول منها إلى أصبهان، فأخذت أصبهان، فسار إلى كرمان فقصد المسلمون كرمان فافتتحوها، فانتقل إلى خراسان فنزلها. هذا كله والنار التي يعبدها من دون الله يسير بها معه من بلد إلى بلد، ويبنى لها في كل بلد بيت توقد فيهم على عادتهم، وهو يحمل في الليل في مسيره إلى هذه البلدان على بعير عليه هودج ينام فيه. فبينما هو ذات ليلة في هودجه وهو نائم فيه، إذ مروا به على مخاضة فأرادوا أن ينبهوه قبلها لئلا ينزعج إذا استيقظ في المخاضة، فلما أيقظوه تغضب عليهم شديدا وشتمهم، وقال: حرمتمونى أن أعلم مدة بقاء هؤلاء في هذه البلاد وغيرها، إني رأيت في منامي هذا أنى ومحمدا عند الله، فقال له: ملككم مائة سنة، فقال: زدني. فقال: عشرا ومائة.

فقال: زدني. فقال: عشرين ومائة سنة. فقال: زدني فقال لك، وأنبهتمونى، فلو تركتموني لعلمت مدة هذه الأمة.


(١) سقط من الحلبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>