للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بوابنا الليل وقلنا له … إن غبت عنا هجم الصبح

وأرسلت جارية من جواري الملك العزيز إلى الملك العزيز زرا من ذهب مغلف بعنبر أسود، فسأل الملك الفاضل عن معنى ما أرادت بإرساله فأنشأ يقول:

أهدت لك العنبر في وسطه … زر من التبر رقيق اللحام

فالزر في العنبر معناهما … زر هكذا مختفيا في الظلام

قال ابن خلكان: وقد اختلف في لقبه فقيل محيي الدين وقيل مجير الدين، وحكى عن عمارة اليمنى أنه كان يذكر جميل وأن العادل بل الصالح هو الّذي استقدمه من الاسكندرية، وقد كان معدودا في حسناته. وقد بسط ابن خلكان ترجمته بنحو ما ذكرنا، وفي هذه زيادة كثيرة والله أعلم

[ثم دخلت سنة سبع وتسعين وخمسمائة]

فيها اشتد الغلاء بأرض مصر جدا، فهلك خلق كثير جدا من الفقراء والأغنياء، ثم أعقبه فناء عظيم، حتى حكى الشيخ أبو شامة في الذيل أن العادل كفن من ماله في مدة شهر من هذه السنة نحوا من مائتي ألف، وعشرين ألف ميت، وأكلت الكلاب والميتات فيها بمصر، وأكل من الصغار والأطفال خلق كثير، يشوى الصغير والداه ويأكلانه، وكثر هذا في الناس جدا حتى صار لا ينكر بينهم، فلما فرغت الأطفال والميتات غلب القوى الضعيف فذبحه وأكله، وكان الرجل يحتال على الفقير فيأتى به ليطعمه أو ليعطيه شيئا، ثم يذبحه ويأكله، وكان أحدهم يذبح امرأته ويأكلها وشاع هذا بينهم بلا إنكار ولا شكوى، بل يعذر بعضهم بعضا، ووجد عند بعضهم أربعمائة رأس وهلك كثير من الأطباء الذين يستدعون إلى المرضى، فكانوا يذبحون ويؤكلون، كان الرجل يستدعى الطبيب ثم يذبحه ويأكله، وقد استدعى رجل طبيبا حاذقا وكان الرجل موسرا من أهل المال، فذهب الطبيب معه على وجل وخوف، فجعل الرجل يتصدق على من لقيه في الطريق ويذكر الله ويسبحه، ويكثر من ذلك، فارتاب به الطبيب وتخيل منه، ومع هذا حمله الطمع على الاستمرار معه حتى دخل داره، فإذا هي خربة فارتاب الطبيب أيضا فخرج صاحبه فقال له: ومع هذا البطء جئت لنا بصيد، فلما سمعها الطبيب هرب فخرجا خلفه سراعا فما خلص إلا بعد جهد وشر.

وفيها وقع وباء شديد ببلاد عنزة بين الحجاز واليمن، وكانوا عشرين قرية، فبادت منها ثماني عشرة لم يبق فيها ديار ولا نافخ نار، وبقيت أنعامهم وأموالهم لا قانى لها، ولا يستطيع أحد أن يسكن تلك القرى ولا يدخلها، بل كان من اقترب إلى شيء من هذه القرى هلك من ساعته، نعوذ بالله من بأس الله وعذابه، وغضبه وعقابه، أما القريتان الباقيتان فإنهما لم يمت منهما أحد ولا عندهم شعور بما جرى على من حولهم، بل هم على حالهم لم يفقد منهم أحد فسبحان الحكيم العليم.

<<  <  ج: ص:  >  >>