في عاشر محرمها عملت الروافض من النياحة وتعليق المسوح وغلق الأسواق ما تقدم قبلها. وفيها اجتمع الفقيه أبو بكر الرازيّ الحنفي وأبو الحسن على بن عيسى الرماني وابن الدقاق الحنبلي بعز الدولة بختيار بن بويه وحرضوه على غزو الروم فبعث جيشا لقتالهم فأظفره الله بهم، وقتلوا منهم خلقا كثيرا وبعثوا برءوسهم إلى بغداد فسكنت أنفس الناس. وفيها سارت الروم مع ملكهم لحصار آمد وعليها هزرمرد غلام أبى الهيجاء بن حمدان، فكتب إلى أبى تغلب يستنصره فبعث إليه أخاه أبا القاسم هبة الله ناصر الدولة بن حمدان، فاجتمعا لقتاله فلقياه في آخر يوم من رمضان في مكان ضيق لا مجال للخيل فيه، فاقتتلوا مع الروم قتالا شديدا فعزمت الروم على الفرار فلم يقدروا فاستحر فيهم القتل وأخذ الدمستق أسيرا فأودع السجن فلم يزل فيه حتى مرض ومات في السنة القابلة، وقد جمع أبو تغلب الأطباء له فلم ينفعه شيء. وفيها أحرق الكرخ ببغداد وكان سببه أن صاحب المعونة ضرب رجلا من العامة فمات فثارت عليه العامة وجماعة من الأتراك، فهرب منهم فدخل دارا فأخرجوه مسجونا وقتلوه وحرقوه، فركب الوزير أبو الفضل الشيرازي - وكان شديد التعصب للسنة - وبعث حاجبه إلى أهل الكرخ فألقى في دورهم النار فاحترقت طائفة كثيرة من الدور والأموال من ذلك ثلاثمائة دكان وثلاثة وثلاثون مسجدا، وسبعة عشر ألف إنسان. فعند ذلك عزله بختيار عن الوزارة وولاها محمد بن بقية، فتعجب الناس من ذلك، وذلك أن هذا الرجل كان وضيعا عند الناس لا حرمة له، كان أبوه فلاحا بقرية كوثا، وكان هو ممن يخدم عز الدولة، كان يقدم له الطعام ويحمل منديل الزفر على كتفه، إلى أن ولى الوزارة، ومع هذا كان أشد ظلما للرعية من الّذي قبله، وكثر في زمانه العيّارون ببغداد، وفسدت الأمور. وفيها وقع الخلاف بين عز الدولة وبين حاجبه سبكتكين ثم اصطلحا على دخن. وفيها كان دخول المعز الفاطمي الديار المصرية وصحبته توابيت آبائه، فوصل إلى اسكندرية في شعبان، وقد تلقاه أعيان مصر إليها، فخطب الناس هنالك خطبة بليغة ارتجالا، ذكر فيها فضلهم وشرفهم، وقد كذب فقال فيها: إن الله أغاث الرعايا بهم وبدولتهم. وحكى قاضى بلاد مصر وكان جالسا إلى جنبه فسأله: هل رأيت خليفة أفضل منى؟ فقال له لم أر أحدا من الخلفاء سوى أمير المؤمنين. فقال له: أحججت؟ قال نعم. قال: وزرت قبر الرسول؟ قال: نعم. قال:
وقبر أبى بكر وعمر؟ قال فتحيرت ما أقول فإذا ابنه العزيز مع كبار الأمراء فقلت: شغلني عنهما رسول الله كما شغلني أمير المؤمنين عن السلام على ولى العهد من بعده، ونهضت إليه وسلمت عليه ورجعت فانفسح المجلس إلى غيره. ثم سار من الاسكندرية إلى مصر فدخلها في الخامس من رمضان من هذه السنة فنزل القصرين، فقيل إنه أول ما دخل إلى محل ملكه خر ساجدا شكرا لله