للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ترك المناصب وحج وجاور بمكة، ثم قدم دمشق فأقام بها دون السنة ومات، توفى يوم الجمعة ثامن وعشرين ذي الحجة، وصلى عليه بعد الجمعة بالجامع، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون، وعمل عزاؤه بالصاحبية.

[ياقوت بن عبد الله]

أبو الدر المستعصمي الكاتب، لقبه جمال الدين، وأصله رومي، كان فاضلا مليح الخط مشهورا بذلك، كتب ختما حسانا، وكتب الناس عليه ببغداد، وتوفى بها في هذه السنة، وله شعر رائق، فمنه ما أورده البرزالي في تاريخه عنه:

تجدد الشمس شوقي كلما طلعت … إلى محياك يا سمعي ويا بصرى

وأسهر الليل في أنس بلا ونس … إذ طيب ذكراك في ظلماته يسرى

وكل يوم مضى لا أراك به … فلست محتسبا ماضيه من عمري

ليلى نهار إذا ما درت في خلدي … لأن ذكرك نور القلب والبصر

[ثم دخلت سنة تسع وتسعين وستمائة]

وفيها كانت وقعة قازان، وذلك أن هذه السنة استهلت والخليفة والسلطان هما المذكوران في التي قبلها، ونائب مصر سلار، ونائب الشام آقوش الأفرم، وسائر الحكام هم المذكورون في التي قبلها، وقد تواترت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام، وقد خاف الناس من ذلك خوفا شديدا، وجفل الناس من بلاد حلب وحماة، وبلغ كرى الخيل من حماة إلى دمشق نحو المائتي درهم، فلما كان يوم الثلاثاء ثانى المحرم ضربت البشائر بسبب خروج السلطان من مصر قاصدا الشام، فلما كان يوم الجمعة ثامن ربيع الأول دخل السلطان إلى دمشق في مطر شديد ووحل كثير، ومع هذا فرج الناس لتلقيه، وكان قد أقام بغزة قريبا من شهرين، وذلك لما بلغه قدوم التتار إلى الشام، فتهيأ لذلك وجاء فدخل دمشق فنزل بالطارمة، وزينت له البلد، وكثرت له الأدعية وكان وقتا شديدا، وحالا صعبا، وامتلأ البلد من الجافلين النازحين عن بلادهم، وجلس الأعسر وزير الدولة وطالب العمال واقترضوا أموال الأيتام وأموال الأسرى لأجل تقوية الجيش، وخرج السلطان بالجيش من دمشق يوم الأحد سابع عشر ربيع الأول ولم يتخلف أحد من الجيوش، وخرج معهم خلق كثير من المتطوعة، وأخذ الناس في الدعاء والقنوت في الصلوات بالجامع وغيره، وتضرعوا واستغاثوا وابتهلوا إلى الله بالأدعية.

[وقعة قازان]

لما وصل السلطان إلى وادي الخزندار عند وادي سلمية، فالتقى التتر هناك يوم الأربعاء السابع والعشرين من ربيع الأول فالتقوا معهم فكسروا المسلمين وولى السلطان هاربا ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾، وقتل جماعة من الأمراء وغيرهم ومن العوام خلق كثير، وفقد في المعركة قاضى قضاة

<<  <  ج: ص:  >  >>