ابن أحمد بن الحسين الأزدي الموصلي المصنف في الجرح والتعديل، وقد سمع الحديث من أبى يعلى وطبقته، وضعفه كثير من الحفاظ من أهل زمانه، واتهمه بعضهم بوضع حديث رواه لابن بويه، حين قدم عليه بغداد، فساقه باسناد إلى النبي ﷺ«أن جبريل كان ينزل عليه في مثل صورة ذلك الأمير». فأجازه وأعطاه دراهم كثيرة. والعجب إن كان هذا صحيحا كيف راج على أحد ممن له أدنى فهم وعقل، وقد أرخ ابن الجوزي وفاته في هذه السنة، وقد قيل إنه توفى سنة تسع وستين.
وفيها توفى
[الخطيب ابن نباتة الحذاء]
في بطن من قضاعة، وقيل إياد الفارقيّ خطيب حلب في أيام سيف الدولة بن حمدان، ولهذا أكثر ديوانه الخطب الجهادية، ولم يسبق إلى مثل ديوانه هذا، ولا يلحق إلا أن يشاء الله شيئا، لأنه كان فصيحا بليغا دينا ورعا، روى الشيخ تاج الدين الكندي عنه أنه خطب يوم جمعة بخطبة المنام ثم رأى ليلة السبت رسول الله ﷺ في جماعة من أصحابه بين المقابر، فلما أقبل عليه قال له: مرحبا بخطيب الخطباء، ثم أومأ إلى قبور هناك فقال لابن نباتة: كأنهم لم يكونوا للعيون قرة، ولم يعدوا في الأحياء مرّة، أبادهم الّذي خلقهم، وأسكنتهم الّذي أنطقهم، وسيجدّهم كما أخلقهم، ويجمعهم كما فرقهم، فتم الكلام ابن نباتة حتى انتهى إلى قوله (يوم ﴿تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ﴾ - وأشار إلى الصحابة الذين مع الرسول - ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ وأشار إلى رسول الله ﷺ. فقال: أحسنت أحسنت أدنه أدنه، فقبّل وجهه وتفل في فيه - وقال: وفقك الله. فاستيقظ وبه من السرور أمر كبير، وعلى وجهه بهاء ونور، ولم يعش بعد ذلك إلا سبعة عشر يوما لم يستطعم بطعام، وكان يوجد منه مثل رائحة المسك حتى مات ﵀. قال ابن الأزرق الفارقيّ: ولد ابن نباتة في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وتوفى في سنة أربع وسبعين وثلاثمائة. حكاه ابن خلكان.
[ثم دخلت سنة خمس وسبعين وثلاثمائة]
فيها خلع الخليفة على صمصامة الدولة وسوره وطوقه وأركب على فرس بسرج ذهب، وبين يديه جنيب مثله، وفيها ورد الخبر بأن اثنين من سادة القرامطة وهما إسحاق وجعفر، دخلا الكوفة في حفل عظيم فانزعجت النفوس بسبب ذلك، وذلك لصرامتهما وشجاعتهما، ولأن عضد الدولة مع شجاعته كان يصانعهما، وأقطعهما أراضى من أراضى واسط، وكذلك عز الدولة من قبله أيضا. فجهز إليهما صمصامة جيشا فطردهما عن تلك النواحي التي قد أكثروا فيها الفساد، وبطل ما كان في نفوس الناس منهما. وفيها عزم صمصامة الدولة على أن يضع مكسا على الثياب الابريسميات، فاجتمع الناس بجامع المنصور وأرادوا تعطيل الجمعة وكادت الفتنة تقع بينهم فأعفوا من ذلك.