للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا بعيد (١) الدار عن وطنه … مفردا يبكي على شجنه

كلما جد النحيب (٢) به … زادت الأسقام في بدنه

ثم أغمي عليه ثم انتبه بصوت طائر على شجرة فقال:

ولقد زاد الفؤاد شجا … هاتف (٣) يبكي على فننه

شاقه ما شاقني (٤) فبكى … كلنا يبكي على سكنه

قال ثم أغمي عليه أخرى فحركته فإذا هو قد مات. قال الصولي: كانت وفاته في هذه السنة، وقيل بعدها، وقيل قبلها في سنة ثمان وثمانين ومائة فالله أعلم. وزعم بعض المؤرخين أنه بقي بعد الرشيد.

[عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور]

أخو زبيدة، كان نائبا على البصرة في أيام الرشيد فمات في أثناء هذه السنة. وفيها توفي:

[الفضل بن يحيى]

ابن خالد بن برمك أخو جعفر وإخوته، كان هو والرشيد يتراضعان. أرضعت الخيزران فضلا، وأرضعت أم الفضل وهي زبيدة بنت بن بريه هارون الرشيد. وكانت زبيدة هذه من مولدات بتبين البرية، وقد قال في ذلك بعض الشعراء (٥):

كفى لك فضلا أن أفضل حرة (٦) … غذتك بثدي والخليفة واحد

لقد زنت يحيى في المشاهد كلها … كما زان يحيى خالدا في المشاهد

قالوا: وكان الفضل أكرم من أخيه جعفر، ولكن كان فيه كبر شديد، وكان عبوسا، وكان جعفر أحسن بشرا منه وأطلق وجها، وأقل عطاء. وكان الناس إليه أميل، ولكن خصلة الكرم تغطي جميع القبائح، فهي تستر تلك الخصلة التي كانت في الفضل. وقد وهب الفضل لطباخه مائة ألف درهم فعابه أبوه على ذلك، فقال: يا أبت إن هذا يصحبني في العسر واليسر والعيش الخشن، واستمر معي في هذا الحال فأحسن صحبتي، وقد قال بعض الشعراء:

إنّ الكرام إذا ما أيسروا ذكروا … من كان يعتادهم في المنزل الخشن

ووهب يوما لبعض الأدباء عشرة آلاف دينار فبكى الرجل فقال له: مم تبكي، استقللتها؟


(١) في مروج الذهب ٤/ ١٢٧ ووفيات الأعيان ٣/ ٢٦: يا غريب.
(٢) في مروج الذهب: البكاء به … دبّت الأسقام
(٣) في مروج الذهب والوفيات: طائر.
(٤) في مروج الذهب: شفّه ما شفّني.
(٥) هو مروان بن أبي حفصة كما في الفخري ووفيات الأعيان.
(٦) في الفخري: كفى لك فخرا أن أكرم حرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>