في جمادى الآخرة نزل مطر عظيم وسيل قوى كثير، وسالت دجلة وزادت حتى غرقت جانبا كبيرا من بغداد، حتى خلص ذلك إلى دار الخلافة، فخرج الجواري حاسرات عن وجوههن، حتى صرن إلى الجانب الغربي، وهرب الخليفة من مجلسه فلم يجد طريقا يسلكه، فحمله بعض الخدم إلى التاج، وكان ذلك يوما عظيما، وأمرا هائلا، وهلك للناس أموال كثيرة جدا. ومات تحت الدم خلق كثير من أهل بغداد والغرباء وجاء على وجه السيل من الأخشاب والأحطاب والوحوش والحيات شيء كثير جدا، وسقطت دور كثيرة في الجانبين، وغرقت قبور كثيرة، من ذلك قبر الخيزران ومقبرة أحمد بن حنبل. ودخل الماء من شبابيك المارستان العضدي وأتلف السيل في الموصل شيئا كثيرا، وصدم سور سنجار فهدمه: وأخذ بابه من موضعه إلى مسيرة أربعة فراسخ.
وفي ذي الحجة منها جاءت ريح شديدة في أرض البصرة فانجعف منها نحو من عشرة آلاف نخلة.
[وممن توفى فيها من الأعيان]
[أحمد بن محمد بن الحسن السمناني]
الحنفي الأشعري. قال ابن الجوزي: وهذا من الغريب، تزوج قاضى القضاة ابن الدامغانيّ ابنته وولاه نيابة القضاة، وكان ثقة نبيلا من ذوى الهيئات، جاوز الثمانين.
[عبد العزيز بن أحمد بن على]
ابن سليمان، أبو محمد الكناني الحافظ الدمشقيّ، سمع الكثير، وكان يملى من حفظه، وكتب عنه الخطيب حديثا واحدا، وكان معظما ببلده، ثقة نبيلا جليلا.
[الماوردية]
ذكر ابن الجوزي أنها كانت عجوزا صالحة من أهل البصرة تعظ النساء بها، وكانت تكتب وتقرأ، ومكثت خمسين سنة من عمرها لا تفطر نهارا ولا تنام ليلا، وتقتات بخبز الباقلاء، وتأكل من التين اليابس لا الرطب، وشيئا يسيرا من العنب والزيت، وربما أكلت من اللحم اليسير، وحين توفيت تبع أهل البلد جنازتها ودفنت في مقابر الصالحين.
[ثم دخلت سنة سبع وستين وأربعمائة]
في صفر منها مرض الخليفة القائم بأمر الله مرضا شديدا انتفخ منه حلقه، وامتنع من الفصد، فلم يزل الوزير فخر الدولة عليه حتى افتصد وانصلح الحال، وكان الناس قد انزعجوا ففرحوا بعافيته وجاء في هذا الشهر سيل عظيم قاسي الناس منه شدة عظيمة، ولم تكن أكثر أبنية بغداد تكاملت من الغرق الأول، فخرج الناس إلى الصحراء فجلسوا على رءوس التلول تحت المطر، ووقع وباء عظيم بالرحبة، فمات من أهلها قريب من عشرة آلاف، وكذلك وقع بواسط والبصرة وخوزستان وأرض خراسان وغيرها والله أعلم.