من كان معه من أمراء الطبلخانات قريبا من ستين أمير أو يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ، عَلَى مَا اسْتَفَاضَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ شَاهَدَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَارَ قريبا من الزوال للمخيم الَّذِي ضُرِبَ لَهُ قَبْلَ مَسْجِدِ الْقَدْمِ عِنْدَ قبة يلبغا، عند الجدول الّذي هنالك، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا هَائِلًا، لِمَا عَايَنَ النَّاسُ مِنْ كَثْرَةِ الْجُيُوشِ وَالْعُدَدِ، وَعَذَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ صَاحِبَ دِمَشْقَ فِي ذَهَابِهِ بِمَنْ مَعَهُ لئلا يقابل هَؤُلَاءِ. فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ قُلُوبَهُمْ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَى نائب القلعة وهو الأمير سيف الدين إباجي يَطْلُبُ مِنْهُ حَوَاصِلَ أَرْغُونَ الَّتِي عِنْدَهُ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَقَدْ حَصَّنَ الْقَلْعَةَ وَسَتَرَهَا وَأَرْصَدَ فيها الرجال والرماة والعدد، وهيأنها بَعْضَ الْمَجَانِيقِ لِيَبْعُدَ بِهَا فَوْقَ الْأَبْرِجَةِ، وَأَمَرَ أَهْلَ الْبَلَدِ أَنْ لَا يَفْتَحُوا الدَّكَاكِينَ وَيُغْلِقُوا الْأَسْوَاقَ، وَجَعَلَ يُغْلِقُ أَبْوَابَ الْبَلَدِ إِلَّا بَابًا أَوْ بَابَيْنِ مِنْهَا، وَاشْتَدَّ حَنَقُ الْعَسْكَرِ عَلَيْهِ، وَهَمُّوا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنَ الشَّرِّ، ثُمَّ يَرَعَوُونَ عن الناس والله المسلم، غير أن إقبال الْعَسْكَرِ وَأَطْرَافَهُ قَدْ عَاثُوا فِيمَا جَاوَرُوهُ مِنَ الْقَرَايَا وَالْبَسَاتِينِ وَالْكُرُومِ وَالزُّرُوعِ فَيَأْخُذُونَ مَا يَأْكُلُونَ وتأكل دوابهم، وأكثر من ذلك ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ٢: ١٥٦. وَنُهِبَتْ قَرَايَا كَثِيرَةٌ وَفَجَرُوا بِنِسَاءٍ وَبَنَاتٍ، وَعَظُمَ الْخَطْبُ، وَأَمَّا التُّجَّارُ وَمَنْ يُذْكَرُ بِكَثْرَةِ مَالٍ فَأَكْثَرُهُمْ مُخْتَفٍ لَا يَظْهَرُ لِمَا يَخْشَى مِنَ الْمُصَادَرَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُحْسِنَ عَاقِبَتَهُمْ.
وَاسْتَهَلَّ شَهْرُ شَعْبَانَ وَأَهْلُ الْبَلَدِ فِي خَوْفٍ شَدِيدٍ، وَأَهْلُ الْقَرَايَا وَالْحَوَاضِرِ في نقلة أثاثهم وبقارهم وَدَوَابِّهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَأَكْثَرُ أَبْوَابِ الْبَلَدِ مُغْلَقَةٌ سِوَى بَابِي الْفَرَادِيسِ وَالْجَابِيَةِ، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ نَسْمَعُ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنَ النَّهْبِ لِلْقَرَايَا وَالْحَوَاضِرِ، حَتَّى انْتَقَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الصَّالِحِيَّةِ أَوْ أكثرهم، وكذلك من أهل العقبية وَسَائِرِ حَوَاضِرِ الْبَلَدِ، فَنَزَلُوا عِنْدَ مَعَارِفِهِمْ وَأَصْحَابِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَلَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللَّه الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا زَمَنَ قَازَانَ: إِنَّ هَذَا الْوَقْتَ كَانَ أَصْعَبَ مِنْ ذَلِكَ لِمَا تَرَكَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهِمْ مِنَ الْغَلَّاتِ وَالثِّمَارِ الَّتِي هِيَ عُمْدَةُ قُوتِهِمْ فِي سَنَتِهِمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَلَدِ فَفِي قلق شديد أيضا لما يبلغهم عنهم من الفجور بالنساء، ويجعلون يدعون عقيب الصلوات عليهم يصرحون بأسمائهم ويعنون بِأَسْمَاءِ أُمَرَائِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ وَنَائِبُ الْقَلْعَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدين إباجي فِي كُلِّ وَقْتٍ يُسَكِّنُ جَأْشَ النَّاسِ وَيُقَوِّي عَزْمَهُمْ وَيُبَشِّرُهُمْ بِخُرُوجِ الْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ صُحْبَةَ السُّلْطَانِ إِلَى بِلَادِ غَزَّةَ حَيْثُ الْجَيْشُ الدِّمَشْقِيُّ، لِيَجِيئُوا كُلُّهُمْ فِي خِدْمَتِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَدُقُّ الْبَشَائِرُ فَيَفْرَحُ النَّاسُ ثُمَّ تَسْكُنُ الْأَخْبَارُ وَتَبْطُلُ الرِّوَايَاتُ فَتَقْلَقُ وَيَخْرُجُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَسَاعَةٍ فِي تَجَمُّلٍ عَظِيمٍ وَوَعْدٍ وَهَيْئَاتٍ حَسَنَةٍ، ثُمَّ جَاءَ السُّلْطَانُ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ تَرَجَّلَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ حِينِ بسط له عند مسجد الدبان إِلَى دَاخِلِ الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَهُوَ لَابِسٌ قَبَاءً أَحْمَرَ لَهُ قِيمَتُهُ عَلَى فَرَسٍ أَصِيلَةٍ مُؤَدَّبَةٍ مُعَلَّمَةٍ الْمَشْيَ عَلَى الْقَوْسِ لَا تَحِيدُ عَنْهُ، وهو حسن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute