وممن توفى فيها الحافظ الكبير ابن الحافظ الكبير أبو محمد
[عبد الرحمن]
ابن أبى حاتم محمد ابن إدريس الرازيّ صاحب كتاب الجرح والتعديل، وهو من أجل الكتب المصنفة في هذا الشأن، وله التفسير الحافل الّذي اشتمل على النقل الكامل، الّذي يربو فيه على تفسير ابن جرير الطبري وغيره من المفسرين، إلى زماننا، وله كتاب العلل المصنفة المرتبة على أبواب الفقه، وغير ذلك من المصنفات النافعة، وكان من العبادة والزهادة والورع والحفظ والكرامات الكثيرة المشهورة على جانب كبير، ﵀. وقد صلى مرة فلما سلم قال له رجل من بعض من صلى معه: لقد أطلت بنا، ولقد سبحت في سجودي سبعين مرة. فقال عبد الرحمن: لكنى والله ما سبحت إلا ثلاثا، وقد انهدم سور بلد في بعض بلاد الثغور فقال عبد الرحمن بن أبى حاتم للناس: أما تبنوه؟ وقد حثهم على عمارته. فرأى عندهم تأخرا. فقال: من يبنيه وأضمن له على الله الجنة؟ فقام رجل من التجار فقال: اكتب لي خطك بهذا الضمان وهذه ألف دينار لعمارته. فكتب له رقعة بذلك، فعمر ذلك السور ثم اتفق موت ذلك الرجل التاجر عما قريب، فلما حضر الناس جنازته طارت من كفنه رقعة فإذا هي التي كان كتبها له ابن أبى حاتم وإذا في ظهرها مكتوب: قد أمضينا لك هذا الضمان ولا تعد إلى ذلك. والله سبحانه أعلم.
[ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة]
قال ابن الجوزي في منتظمه: في غرة المحرم منها ظهرت في الجو حمرة شديدة في ناحية الشمال والمغرب، وفيها أعمدة بيض عظيمة كثيرة العدد. وفيها وصل الخبر بأن ركن الدولة أبا على الحسن ابن بويه وصل إلى واسط فركب الخليفة وبجكم إلى حربه فخاف فانصرف راجعا إلى الأهواز ورجعا إلى بغداد. وفيها ملك ركن الدولة بن بويه مدينة أصبهان، أخذها من وشمكير أخى مرداويج، لقلة جيشه في هذا الحين. وفي شعبان منها زادت دجلة زيادة عظيمة وانتشرت في الجانب الغربي، وسقطت دور كثيرة، وانبثق بثق من نواحي الأنبار فغرق قرى كثيرة، وهلك بسببه حيوان وسباع كثيرة في البرية. وفيها تزوج بجكم بسارة بنت عبد الله البريدي. ومحمد بن أحمد بن يعقوب الوزير يومئذ ببغداد، ثم صرف عن الوزارة بسليمان بن الحسن، وضمن البريدي بلاد واسط وأعمالها بستمائة ألف دينار.
وفيها توفى قاضى القضاة أبو الحسن عمر بن محمد بن يوسف، وتولى مكانه ولده أبو نصر يوسف ابن عمر بن محمد بن يوسف وخلع عليه الخليفة الراضي يوم الخميس لخمس بقين من شعبان منها. ولما خرج أبو عبد الله البريدي إلى واسط كتب إلى بجكم يحثه على الخروج إلى الجبل ليفتحها ويساعده هو على أخذ الأهواز من يد عماد الدولة بن بويه، وإنما كان مقصوده أن يبعده عن بغداد ليأخذها