للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْكُورَ وَالرَّسَاتِيقَ، وَهُمْ فِي أَثَرِهِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى كَرْمَانَ، وَاتَّبَعَهُ الشَّامِيُّونَ فَنَزَلُوا فِي قَصْرٍ كَانَ فِيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ قَبْلَهُمْ، فَإِذَا فِيهِ كِتَابٌ قَدْ كَتَبَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْأَشْعَثِ الَّذِينَ فَرُّوا مَعَهُ مَنْ شعر أبى خلدة الْيَشْكُرِيِّ يَقُولُ:

أَيَا لَهَفَا وَيَا حُزْنَا جَمِيعًا ... وَيَا حَرَّ الْفُؤَادِ لِمَا لَقِينَا

تَرَكْنَا الدِّينَ وَالدُّنْيَا جَمِيعًا ... وَأَسْلَمْنَا الْحَلَائِلَ وَالْبَنِينَا

فَمَا كُنَّا أناسا أهل دينا ... فَنَمْنَعُهَا وَلَوْ لَمْ نَرْجُ دِينًا

تَرَكْنَا دَوْرَنَا لِطَغَامِ عَكٍّ ... وَأَنْبَاطِ الْقُرَى وَالْأَشْعَرِينَا

ثُمَّ إِنَّ ابْنَ الْأَشْعَثِ دَخَلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْفَلِّ إِلَى بِلَادِ رُتْبِيلَ مَلِكِ التُّرْكِ، فَأَكْرَمَهُ رُتْبِيلُ وَأَنْزَلَهُ عِنْدَهُ وَأَمَّنَهُ وَعَظَّمَهُ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَمَرَّ ابْنُ الْأَشْعَثِ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى بِلَادِ رُتْبِيلَ عَلَى عَامِلٍ لَهُ فِي بَعْضِ الْمُدُنِ كَانَ ابْنُ الْأَشْعَثِ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الْعِرَاقِ، فَأَكْرَمَهُ ذَلِكَ الْعَامِلُ وَأَهْدَى إِلَيْهِ هَدَايَا وَأَنْزَلَهُ، فَعَلَ ذَلِكَ خَدِيعَةً بِهِ وَمَكْرًا، وَقَالَ لَهُ: ادْخُلْ إِلَى عِنْدِي إِلَى الْبَلَدِ لِتَتَحَصَّنَ بِهَا مِنْ عَدُوِّكَ وَلَكِنْ لَا تَدَعْ أَحَدًا مِمَّنْ مَعَكَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمَكْرَ بِهِ، فَمَنْعَهُ أَصْحَابُهُ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَثَبَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ فَمَسَكَهُ وَأَوْثَقَهُ بِالْحَدِيدِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ بِهِ يَدًا عِنْدَ الْحَجَّاجِ، وَقَدْ كَانَ الْمَلِكُ رُتْبِيلَ سُرَّ بِقُدُومِ ابْنِ الْأَشْعَثِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ مَا حَدَثَ لَهُ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ الْعَامِلِ بِمَدِينَةِ بُسْتَ، سَارَ حَتَّى أَحَاطَ بِبُسْتَ، وَأَرْسَلَ إِلَى عَامِلِهَا يَقُولُ لَهُ: وَاللَّهِ لَئِنْ آذَيْتَ ابْنَ الْأَشْعَثِ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَسَتَنْزِلُكَ وَأَقْتُلُ جَمِيعَ مَنْ فِي بَلَدِكَ، فَخَافَهُ ذَلِكَ الْعَامِلُ وَسَيَّرَ إِلَيْهِ ابْنَ الْأَشْعَثِ فَأَكْرَمَهُ رُتْبِيلُ، فَقَالَ ابْنُ الْأَشْعَثِ لرُتْبِيلَ: إِنَّ هَذَا الْعَامِلَ كَانَ عَامِلِي وَمِنْ جِهَتِي، فَغَدَرَ بِي وَفَعَلَ مَا رَأَيْتَ، فَأْذَنْ لِي فِي قَتْلِهِ، فَقَالَ: قَدْ أَمَّنْتُهُ. وَكَانَ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عياش ابن أبى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ هو الّذي يصلى بالناس لك فِي بِلَادِ رُتْبِيلَ، ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْفَلِّ الَّذِينَ هَرَبُوا مِنَ الْحَجَّاجِ اجْتَمَعُوا وَسَارُوا وَرَاءَ ابْنِ الْأَشْعَثِ لِيُدْرِكُوهُ فَيَكُونُوا مَعَهُ- وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ سِتِّينَ أَلْفًا- فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى سِجِسْتَانَ وَجَدُوا ابْنَ الْأَشْعَثِ قَدْ دَخَلَ إِلَى عِنْدِ رُتْبِيلَ فَتَغَلَّبُوا عَلَى سِجِسْتَانَ وَعَذَّبُوا عَامِلَهَا عبد الله بن عامر النعار وإخوته وقرابته، وَاسْتَحْوَذُوا عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ، وَانْتَشَرُوا فِي تِلْكَ الْبِلَادِ وَأَخَذُوهَا، ثُمَّ كَتَبُوا إِلَى ابْنِ الْأَشْعَثِ: أَنِ اخْرُجْ إِلَيْنَا حَتَّى نَكُونَ مَعَكَ نَنْصُرُكَ عَلَى مَنْ يُخَالِفُكَ، وَنَأْخُذُ بِلَادَ خراسان، فان بها جندا ومنعة كثيرة مِنَّا، فَنَكُونُ بِهَا حَتَّى يُهْلِكَ اللَّهُ الْحَجَّاجَ أَوْ عَبْدَ الْمَلِكِ، فَنَرَى بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْنَا. فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ ابْنُ الْأَشْعَثِ وَسَارَ بِهِمْ قَلِيلًا إِلَى نَحْوِ خُرَاسَانَ فَاعْتَزَلَهُ شِرْذِمَةٌ مِنْ أَهْلِ العراق مع عبيد الله بْنِ سَمُرَةَ، فَقَامَ فِيهِمُ ابْنُ الْأَشْعَثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>