سَنَةٍ-: سَمِعْتُ بَعْضَ الشُّيُوخِ يَقُولُ: لَمَّا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ دِمَشْقَ وَجَدُوا عَلَى الْعَمُودِ الَّذِي عَلَى الْمِقْسِلَّاطِ- عَلَى السَّفُّودِ الْحَدِيدِ الَّذِي فِي أَعْلَاهُ- صَنَمًا مَادًّا يَدَهُ بِكَفٍّ مُطْبَقَةٍ، فَكَسَرُوهُ فَإِذَا فِي يَدِهِ حَبَّةُ قَمْحٍ، فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ فقيل لهم: هذه الحبة قمح جَعَلَهَا حُكَمَاءُ الْيُونَانِ فِي كَفِّ هَذَا الصَّنَمِ طلسما، حتى لا يسوس القمح في هذه البلاد، وَلَوْ أَقَامَ سِنِينَ كَثِيرَةً. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وقد رأيت أنا في هذا السفود على قناطر كَنِيسَةُ الْمِقْسِلَّاطِ كَانَتْ مَبْنِيَّةً فَوْقَ الْقَنَاطِرِ الَّتِي فِي السُّوقِ الْكَبِيرِ، عِنْدَ الصَّابُونِيِّينَ وَالْعَطَّارِينَ الْيَوْمَ، وَعِنْدَهَا اجْتَمَعَتْ جُيُوشُ الْإِسْلَامِ يَوْمَ فَتْحِ دِمَشْقَ، أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ بَابِ الْجَابِيَةِ، وَخَالِدٌ مِنَ باب الشَّرْقِيِّ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ بَابِ الجابية الصغير. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ التَّمِيمِيُّ عَنْ أَبِي نَصْرٍ عبد الوهاب بن عبد الله المري: سَمِعْتُ جَمَاعَةً مِنْ شُيُوخِ أَهْلِ دِمَشْقَ يَقُولُونَ: إن في سقف الْجَامِعِ طَلَاسِمَ عَمِلَهَا الْحُكَمَاءُ فِي السَّقْفِ مِمَّا يَلِي الْحَائِطَ الْقِبْلِيَّ، فِيهَا طَلَاسِمُ لِلصَّنُونِيَّاتِ، لَا تَدْخُلُهُ وَلَا تُعَشِّشُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْأَوْسَاخِ الَّتِي تَكُونُ مِنْهَا، وَلَا يَدْخُلُهُ غُرَابٌ، وَطِلَّسْمٌ للفأر والحيات والعقارب، فما رأى النَّاسُ مِنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا الْفَأْرَ، وَيُشَكُّ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُدِمَ طِلَّسْمُهَا، وَطِلَّسْمٌ لِلْعَنْكَبُوتِ حتى لا ينسج فيه، وفي رواية فَيَرْكَبُهُ الْغُبَارُ وَالْوَسَخُ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَسَمِعْتُ جَدِّي أَبَا الْفَضْلِ يَحْيَى بْنَ عَلِيٍّ يَذْكُرُ أَنَّهُ أَدْرَكَ فِي الْجَامِعِ قَبْلَ حَرِيقِهِ طِلَّسْمَاتٍ لِسَائِرِ الْحَشَرَاتِ، مُعَلَّقَةً فِي السَّقْفِ فَوْقَ الْبَطَائِنِ مِمَّا يَلِي السُّبْعَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُوجَدُ فِي الْجَامِعِ شَيْءٌ مِنَ الْحَشَرَاتِ قَبْلَ الحريق.
فلما احترقت الطلسمات حين أحرق الْجَامِعِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَقَدْ كَانَتْ بِدِمَشْقَ طِلَّسْمَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا سِوَى الْعَمُودِ الّذي بسوق العلبيين الّذي في أعلاه مثل الكرة العظيمة، وهي لِعُسْرِ بَوْلِ الدَّوَابِّ، إِذَا دَارُوا بِالدَّابَّةِ حَوْلَهُ ثلاث مرات انطلق باطنها. وقد كان شيخنا ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: إِنَّمَا هَذَا قبر مشرك مفرد مدفون هنالك يعذب، فإذا سمعت الدابة صراخه فزعت فانطلق باطنها وطبعها، قَالَ: وَلِهَذَا يَذْهَبُونَ بِالدَّوَابِّ إِلَى مَقَابِرِ الْيَهُودِ والنصارى إذا مغلت فتنطلق طِبَاعُهَا وَتَرُوثُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّهَا تَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
. ذِكْرُ السَّاعَاتِ الَّتِي عَلَى بَابِهِ
قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَبْرٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ بَابُ الْجَامِعِ الْقِبْلِيُّ بَابَ السَّاعَاتِ لِأَنَّهُ عُمِلَ هُنَاكَ بلكار الساعات، كان يعمل بِهَا كُلُّ سَاعَةٍ تَمْضِي مِنَ النَّهَارِ، عَلَيْهَا عَصَافِيرُ مِنْ نُحَاسٍ، وَحَيَّةٌ مِنْ نُحَاسٍ وَغُرَابٌ، فَإِذَا تَمَّتِ السَّاعَةُ خَرَجَتِ الْحَيَّةُ فَصَفَّرَتِ الْعَصَافِيرُ وَصَاحَ الْغُرَابُ وَسَقَطَتْ حَصَاةٌ فِي الطَّسْتِ فَيَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ مِنَ النَّهَارِ سَاعَةٌ، وكذلك سَائِرِهَا. قُلْتُ: هَذَا يَحْتَمِلُ أَحَدَ شَيْئَيْنِ إِمَّا أن تكون السَّاعَاتِ كَانَتْ فِي الْبَابِ الْقِبْلِيِّ مِنَ الْجَامِعِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بَابُ الزِّيَادَةِ، وَلَكِنْ قَدْ قِيلَ إِنَّهُ مُحْدَثٌ بَعْدَ بِنَاءِ الْجَامِعِ، وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ أَنَّ السَّاعَاتِ كَانَتْ عِنْدَهُ فِي زَمَنِ الْقَاضِي ابْنِ زَبْرٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute