للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ الآية وقال تعالى ﴿قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ الآية وهذا المذهب وهو القول بأن التبديل إنما وقع في معانيها لا في ألفاظها حكاه البخاري عن ابن عباس في آخر كتابه الصحيح وقرر عليه ولم يرده وحكاه العلامة فخر الدين الرازيّ في تفسيره عن أكثر المتكلمين.

[ليس للجنب لمس التوراة]

وذهب فقهاء الحنفية إلى أنه لا يجوز للجنب مس التوراة وهو محدث وحكاه الحناطى في فتاويه عن بعض أصحاب الشافعيّ وهو غريب جدا. وذهب آخرون من العلماء إلى التوسط في هذين القولين منهم شيخنا الامام العلامة أبو العباس بن تيمية فقال أما من ذهب إلى أنها كلها مبدلة من أولها إلى آخرها ولم يبق منها حرف إلا بدلوه فهذا بعيد وكذا من قال لم يبدل شيء منها بالكلية بعيد أيضا والحق أنه دخلها تبديل وتغيير وتصرفوا في بعض ألفاظها بالزيادة والنقص كما تصرفوا في معانيها وهذا معلوم عند التأمل ولبسطه موضع آخر والله أعلم كما في قوله في قصة الذبيح اذبح ابنك وحيدك وفي نسخة بكرك إسحاق فلفظة إسحاق مقحمة مزيدة بلا مرية لأن الوحيد وهو البكر إسماعيل لأنه ولد قبل إسحاق بأربع عشر سنة فكيف يكون الوحيد البكر إسحاق. وانما حملهم على ذلك حسد العرب أن يكون إسماعيل غير الذبيح فأرادوا أن يذهبوا بهذه الفضيلة لهم فزادوا ذلك في كتاب الله افتراء على الله وعلى رسوله وقد اغتر بهذه الزيادة خلق كثير من السلف والخلف ووافقوهم على أن الذبيح إسحاق والصحيح الذبيح إسماعيل كما قدمنا والله أعلم وهكذا في توراة السامرة في العشر الكلمات زيادة الأمر بالتوجه إلى الطور في الصلاة وليس ذلك في سائر نسخ اليهود والنصارى.

وهكذا يوجد في الزبور المأثور عن داود مختلفا كثيرا وفيه أشياء مزيدة ملحقة فيه وليست منه والله أعلم * قلت وأما ما بأيديهم من التوراة المعربة فلا يشك عاقل في تبديلها وتحريف كثير من ألفاظها وتغيير القصص والألفاظ والزيادات والنقص البين الواضح وفيها من الكذب البين والخطأ الفاحش شيء كثير جدا فأما ما يتلونه بلسانهم ويكتبونه بأقلامهم فلا اطلاع لنا عليه والمظنون بهم أنهم كذبة خونة يكثرون الفرية على الله ورسله وكتبه.

وأما النصارى فأناجيلهم الأربعة من طريق مرقس ولوقا ومتى ويوحنا أشد اختلافا وأكثر زيادة ونقصا وأفحش تفاوتا من التوراة وقد خالفوا أحكام التوراة والإنجيل في غير ما شيء قد شرعوه لأنفسهم فمن ذلك صلاتهم إلى الشرق وليست منصوصا عليها ولا مأمورا بها في شيء من الأناجيل الأربعة وهكذا تصويرهم كنائسهم وتركهم الختان ونقلهم صيامهم إلى زمن الربيع وزيادته إلى خمسين يوما وأكلهم

<<  <  ج: ص:  >  >>