ببغداد غلاء عظيم وفناء كثير بحيث عدم الخبز منها خمسة أيام، ومات من أهلها خلق كثير، وأكثر ذلك كان في الضعفاء، وكان الموتى يلقون في الطريق ليس لهم من يقوم بهم، ويحمل على الجنازة الواحدة الرجلان من الموتى، وربما يوضع بينهم صبي، وربما حفرت الحفرة الواحدة فتوسع حتى يوضع فيها جماعة. ومات من أهل أصبهان نحو من مائتي ألف إنسان. وفيها وقع حريق بعمان أحرق فيه من السودان ألف، ومن البيضان خلق كثير، وكان جملة ما أحرق فيه أربعمائة حمل كافور. وعزل الخليفة أحمد بن كيغلغ عن نيابة الشام. وأضاف ذلك إلى ابن طغج نائب الديار المصرية. وفيها ولد عضد الدولة أبو شجاع فنا خسرو بن ركن الدولة بن بويه بأصبهان.
[وفيها توفى من الأعيان.]
[ابن مجاهد المقري]
أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المقري، أحد أئمة هذا الشأن. حدث عن خلق كثير، وروى عنه الدار قطنى وغيره، وكان ثقة مأمونا، سكن الجانب الشرقي من بغداد، وكان ثعلب يقول: ما بقي في عصرنا أحد أعلم بكتاب الله منه. توفى يوم الأربعاء وأخرج يوم الخميس لعشر بقين من شعبان من هذه السنة. وقد رآه بعضهم في المنام وهو يقرأ فقال له: أما مت؟ فقال: بلى ولكن كنت أدعو الله عقب كل ختمة أن أكون ممن يقرأ في قبره، فأنا ممن يقرأ في قبره. ﵀.
[جحظة الشاعر البرمكي]
أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي، أبو الحسن النديم المعروف بجحظة الشاعر الماهر الأديب الأخباري، ذو الفنون في العلوم والنوادر الحاضرة، وكان جيد الغناء. ومن شعره:
قد نادت الدنيا على نفسها … ولو كان في العالم من يسمع
كم آمل خيبت آماله … وجامع بددت ما يجمع
وكتب له بعض الملوك رقعة على صير في بمال أطلقه له فلم يحصل له، فكتب إلى الملك يذكر له ذلك.
إذا كانت صلاتكم رقاعا … تخطّط بالأنامل والأكف
فلا تجد الرقاع على نفعا … فذا خطى فخذه بألف ألف
ومن شعره يهجو صديقا له ويذمه على شدة شحه وبخلة وحرصه فقال:
لنا صاحب من أبرع الناس في البخل … يسمى بفضل، وهو ليس بذي فضل
دعاني كما يدعو الصديق صديقه … فجئت كما يأتى إلى مثله مثلي
فلما جلسنا للغداء رأيته … يرى أنما من بعض أعضائه أكلى
فيغتاظ أحيانا ويشتم عبده … فأعلم أن الغيظ والشتم من أجلى
أمدّ يدي سرا لآكل لقمة … فيلحظنى شزرا فأعبث بالبقل