طلب مِنَ الْخَلِيفَةِ فَتَعَذَّرَ ذَلِكَ فَرَامُوا أَنْ يَقْطَعُوا خطبته، فلم تصل الجمعة، ثُمَّ خُطِبَ لَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ الْقَابِلَةِ، وَتَخَبَّطَ الْبَلَدُ جِدًّا، وَكَثُرَ الْعَيَّارُونَ. ثُمَّ فِي رَبِيعٍ الآخر منها حَلَفَ الْخَلِيفَةُ لِجَلَالِ الدَّوْلَةِ بِخُلُوصِ النِّيَّةِ وَصَفَائِهَا، وَأَنَّهُ عَلَى مَا يُحِبُّ مِنَ الصِّدْقِ وَصَلَاحِ السريرة. ثم وقع بينهما بسبب جلال الدولة وشربه النبيذ وسكره. ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَى الْخَلِيفَةِ وَاصْطَلَحَا عَلَى فَسَادٍ. وَفِي رَجَبٍ غَلَتِ الْأَسْعَارُ جِدًّا بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا، من أرض العراق. ولم يحج أحد منهم.
وفيها وَقَعَ مُوتَانٌ عَظِيمٌ بِبِلَادِ الْهِنْدِ وَغَزْنَةَ وَخُرَاسَانَ وَجُرْجَانَ وَالرَّيِّ وَأَصْبَهَانَ، خَرَجَ مِنْهَا فِي أَدْنَى مدة أربعون ألف جنازة. وفي نواحي الموصل والجبل وَبَغْدَادَ طَرَفٌ قَوِيٌّ مِنْ ذَلِكَ بِالْجُدَرِيِّ، بِحَيْثُ لَمَّ تَخْلُ دَارٌ مِنْ مُصَابٍ بِهِ، وَاسْتَمَرَّ ذلك في حزيران وتموز وآزار وَأَيْلُولَ وَتِشْرِينَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَكَانَ فِي الصَّيْفِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْخَرِيفِ. قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُنْتَظَمِ. وَقَدْ رَأَى رَجُلٌ فِي مَنَامِهِ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مُنَادِيًا يُنَادِي بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ: يَا أَهْلَ أَصْبَهَانَ سَكَتَ، نَطَقَ، سَكَتَ، نَطَقَ، فَانْتَبَهَ الرَّجُلُ مَذْعُورًا فَلَمْ يدر أحد تأويلها ما هو، حتى قال رجل بيت أبى العتاهية فَقَالَ: احْذَرُوا يَا أَهْلَ أَصْبَهَانَ فَإِنِّي قَرَأْتُ فِي شِعْرِ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ قَوْلَهُ:
سَكَتَ الدَّهْرُ زَمَانًا عَنْهُمُ ... ثُمَّ أَبْكَاهُمْ دَمًا حِينَ نَطَقْ
فما كان إلا قَلِيلٍ حَتَّى جَاءَ الْمَلِكُ مَسْعُودُ بْنُ مَحْمُودِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، حَتَّى قَتَلَ النَّاسَ فِي الْجَوَامِعِ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَفَرَ الْمَلِكُ أبو كاليجار بالخادم جندل فَقَتَلَهُ، وَكَانَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى مَمْلَكَتِهِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِوَى الِاسْمِ، فَاسْتَرَاحَ مِنْهُ. وَفِيهَا مَاتَ مَلِكُ التُّرْكِ الْكَبِيرُ صَاحِبُ بِلَادِ مَا وراء النهر، واسمه قدرخان.
وفيها توفى مِنَ الْأَعْيَانِ
رَوْحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ
أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِّيُّ. قَالَ الْخَطِيبُ: سَمِعَ جَمَاعَةً، وفد عَلَيْنَا حَاجًّا فَكَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ صَدُوقًا فَهِمَا، أَدِيبًا، يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَوَلِيِ قَضَاءَ أَصْبَهَانَ. قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ مَاتَ بِالْكَرْخِ سَنَةَ ثلاث وعشرين وأربعمائة.
[على بن محمد بن الحسن]
ابن محمد بن نعيم بن الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِالنُّعَيْمِيِّ، الْحَافِظُ الشَّاعِرُ، الْمُّتَكَلِّمُ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الْبَرْقَانِيُّ: هُوَ كَامِلٌ فِي كل شيء لولا بادرة فِيهِ، وَقَدْ سَمِعَ عَلَى جَمَاعَةٍ، وَمِنْ شَعْرِهِ قَوْلُهُ:
إِذَا أَظْمَأَتْكَ أَكُفُّ اللِّئَامِ ... كَفَتْكَ الْقَنَاعَةُ شِبْعًا وَرِيَّا
فَكُنْ رَجُلًا رِجْلُهُ فِي الثَّرَى ... وهامة همه في الثريا
أبيا لنائل ذي نعمة ... تَرَاهُ بِمَا فِي يَدَيْهِ أَبِيَّا