للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيَّةِ، وَعَظُمَ جَاهُهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَالْعَوَامِّ، وَكَانَ فقيها إماما، جَلِيلًا نَبِيلًا، شَرَحَ الْمُزَنِيَّ فِي تَعْلِيقَةٍ حَافِلَةٍ نحوا مِنْ خَمْسِينَ مُجَلَّدًا، وَلَهُ تَعْلِيقَةٌ أُخْرَى فِي أصول الفقه، وروى عن الإسماعيلي وغيره.

قال الخطيب: وَرَأَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَحَضَرْتُ تَدْرِيسَهُ بِمَسْجِدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، فِي صَدْرِ قَطِيعَةِ الرَّبِيعِ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ الْأَزَجِيُّ وَالْخَلَّالُ، وَسَمِعْتُ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ تَدْرِيسَهُ سَبْعُمِائَةِ مُتَفَقِّهٍ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: لَوْ رَآهُ الشَّافِعِيُّ لِفَرَحِ بِهِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقُدُورِيُّ: مَا رَأَيْتُ فِي الشافعية أفقه من أبى حامد، وَقَدْ ذَكَرْتُ تَرْجَمَتَهُ مُسْتَقْصَاةً فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ: وذكر ابن خلكان أَنَّ الْقُدُورِيَّ قَالَ: هُوَ أَفْقَهُ وَأَنْظَرُ مِنَ الشافعيّ. قال الشيخ أبو إسحاق: ليس هَذَا مُسَلَّمًا إِلَى الْقُدُورِيِّ فَإِنَّ أَبَا حَامِدٍ وَأَمْثَالَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

نَزَلُوا بِمَكَّةَ فِي قَبَائِلِ نَوْفَلٍ ... وَنَزَلْتُ بِالْبَيْدَاءِ أبعد منزل

قال ابن خلكان: وله مصنفات: التَّعْلِيقَةُ الْكُبْرَى، وَلَهُ كِتَابُ الْبُسْتَانِ، وَهُوَ صَغِيرٌ فيه غرائب قال وقد اعترض عليه بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي بَعْضِ الْمُنَاظَرَاتِ فَأَنْشَأَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَقُولُ:

جَفَاءٌ جَرَى جَهْرًا لَدَى النَّاسِ وَانْبَسَطْ ... وَعُذْرٌ أَتَى سِرًّا فَأَكَّدَ مَا فَرَطْ

وَمَنْ ظَنَّ أَنْ يَمْحُو جَلِيَّ جَفَائِهِ ... خفي اعتذار فهو في أعظم الغلط

توفى ليلة السبت لإحدى عشرة بقيت من شوال منها، ودفن بداره بعد ما صُلِّيَ عَلَيْهِ بِالصَّحْرَاءِ وَكَانَ الْجَمْعُ كَثِيرًا وَالْبُكَاءُ غَزِيرًا، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى مَقْبَرَةِ بَابِ حَرْبٍ فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَبَلَغَ مِنَ الْعُمُرِ إِحْدَى وَسِتِّينَ سَنَةً وَأَشْهُرًا.

أَبُو أَحْمَدَ الْفَرْضِيُّ

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مِهْرَانَ، أَبُو مسلم الفرضيّ المقري. سمع المحاملي ويوسف ابن يَعْقُوبَ، وَحَضَرَ مَجْلِسَ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَنْبَارِيِّ، وَكَانَ إِمَامًا ثِقَةً، وَرِعًا وَقُورًا، كَثِيرَ الْخَيْرِ، يقرأ القرآن كثيرا، ثم سمع الحديث، وكان إِذَا قَدِمَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ، نَهَضَ إِلَيْهِ حَافِيًا فَتَلَقَّاهُ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، توفى وقد جاوز الثمانين.

[الشريف الرضى]

محمد بن الطاهر أبو أحمد الحسين بن موسى أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ لَقَّبَهُ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ بِالرَّضِيِّ، ذي الحسبتين، ولقب أخاه المرتضى ذي المجدين، ولى نقابة الطالبيين ببغداد بعد أبيه، وكان شاعرا مطبقا، سخيا جوادا. وقال بعضهم: كان الشريف في كثرة أشعاره أَشْعَرَ قُرَيْشٍ فَمِنْ شِعْرِهِ الْمُسْتَجَادِ قَوْلُهُ:

اشْتَرِ العز بما شئت ... فما العز بغال

بالقصار إن شئت ... أو بالسمر الطوال

<<  <  ج: ص:  >  >>