المظفر ابن قرّ على الحنفي وهو سبط ابن الْجَوْزِيِّ ابْنُ ابْنَتِهِ رَابِعَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ مِرْآةِ الزمان، وكان فاضلا في علوم كَثِيرَةٍ، حَسَنَ الشَّكْلِ طَيِّبَ الصَّوْتِ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ فِي الْوَعْظِ جَيِّدًا وَتُحِبُّهُ الْعَامَّةُ عَلَى صِيتِ جَدِّهِ، وَقَدْ رَحَلَ مِنْ بَغْدَادَ فَنَزَلَ دِمَشْقَ وأكرمه ملوكها، وولى التدريس بِهَا، وَكَانَ يَجْلِسُ كُلَّ يَوْمِ سَبْتٍ عِنْدَ بَابِ مَشْهِدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ إِلَى السَّارِيَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عِنْدَهَا الْوُعَّاظُ فِي زَمَانِنَا هَذَا، فَكَانَ يَكْثُرُ الْجَمْعُ عِنْدَهُ حَتَّى يَكُونُوا مِنْ بَابِ النَّاطِفَانِيِّينَ إِلَى بَابِ الْمَشْهَدِ إلى باب الساعات، الجلوس غَيْرَ الْوُقُوفِ، فَحُزِرَ جَمْعُهُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ ثلاثين أَلْفًا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَكَانَ النَّاسُ يَبِيتُونَ ليلة السبت في الجامع ويدعون البساتين، يبيتون في قراءة ختمات وأذكار ليحصل لهم أماكن من شدة الزحام، فإذا فرغ من وعظه خرجوا إلى أماكنهم وَلَيْسَ لَهُمْ كَلَامٌ إِلَّا فِيمَا قَالَ يَوْمَهُمْ ذلك أجمع، يقولون قال الشيخ وسمعنا من الشيخ فيحثهم ذلك على العمل الصالح والكف عن المساوي، وكان يحضر عِنْدَهُ الْأَكَابِرُ، حَتَّى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيُّ، كَانَ يَجْلِسُ فِي الْقُبَّةِ الَّتِي عِنْدَ بَابِ الْمَشْهَدِ هُوَ وَوَالِي الْبَلَدِ الْمُعْتَمِدُ ووالى البر ابن تميرك وغيرهم. والمقصود أنه لما جلس يوم السبت خامس ربيع الأول كَمَا ذَكَرْنَا حَثَّ النَّاسَ عَلَى الْجِهَادِ وَأَمَرَ بإحضار ما كان تَحَصَّلَ عِنْدَهُ مِنْ شُعُورِ التَّائِبِينَ، وَقَدْ عَمِلَ منه شكالات تحمل الرِّجَالُ، فَلَمَّا رَآهَا النَّاسُ ضَجُّوا ضَجَّةً وَاحِدَةً وبكوا بُكَاءً كَثِيرًا وَقَطَّعُوا مِنْ شُعُورِهِمْ نَحْوَهَا، فَلَمَّا انْقَضَى الْمَجْلِسُ وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَتَلَقَّاهُ الْوَالِي مبادر الدين المعتمد بن إِبْرَاهِيمُ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، فَمَشَى بَيْنَ يديه إلى باب الناطفيين يُعَضِّدُهُ حَتَّى رَكِبَ فَرَسَهُ وَالنَّاسُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وعن شماله، فخرج من باب الفرج وبات بالمصلى ثُمَّ رَكِبَ مِنَ الْغَدِ فِي النَّاسِ إِلَى الكسوة ومعه خلائق كثيرون خرجوا بِنِيَّةِ الْجِهَادِ إِلَى بِلَادِ الْقُدْسِ، وَكَانَ مِنْ جملة من معه ثلاثمائة من جهة زملكا بالعدد الكثيرة التَّامَّةِ، قَالَ: فَجِئْنَا عَقَبَةَ أَفِيقَ وَالطَّيْرُ لَا يَتَجَاسَرُ أَنْ يَطِيرَ مِنْ خَوْفِ الْفِرِنْجِ، فَلَمَّا وَصَلْنَا نَابُلُسَ تَلَقَّانَا الْمُعَظَّمُ، قَالَ وَلَمْ أَكُنِ اجْتَمَعْتُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَى الشِّكَالَاتِ مِنْ شُعُورِ التَّائِبِينَ جَعَلَ يُقَبِّلُهَا وَيُمَرِّغُهَا عَلَى عينيه ووجهه وَيَبْكِي، وَعَمِلَ أَبُو الْمُظَفَّرِ مِيعَادًا بِنَابُلُسَ وَحَثَّ على الجهاد وكان يوما مشهودا، ثم سار هو ومن معه وصحبته المعظم نحو الْفِرِنْجِ فَقَتَلُوا خَلْقًا وَخَرَّبُوا أَمَاكِنَ كَثِيرَةً، وَغَنِمُوا وَعَادُوا سَالِمِينَ، وَشَرَعَ الْمُعَظَّمُ فِي تَحْصِينِ جَبَلِ الطُّورِ وَبَنَى قَلْعَةً فِيهِ لِيَكُونَ أَلْبًا عَلَى الْفِرِنْجِ، فَغَرِمَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً فِي ذَلِكَ، فَبَعَثَ الْفِرِنْجُ إِلَى الْعَادِلِ يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْأَمَانَ وَالْمُصَالَحَةَ، فَهَادَنَهُمْ وَبَطَلَتْ تِلْكَ الْعِمَارَةُ وَضَاعَ مَا كَانَ المعظم غرم عليها والله أعلم.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ
الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ
باني المدرسة بسفح قائسون للفقراء المشتغلين في القرآن رَحِمَهُ اللَّهُ، مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قدامة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute