للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلا فالسيف والقتل والسلام على من اتبع الهدى. وفيها حج بالناس سليمان بن عبد الله بن سليمان ابن على. وفيها توفى الحجاج بن منهال. وشريح بن النعمان. وموسى بن داود الضبيّ والله سبحانه أعلم.

[ثم دخلت سنة ثمان عشرة ومائتين]

في أول يوم من جمادى الأولى وجه المأمون ابنه العباس إلى بلاد الروم لبناء الطوانة وتجديد عمارتها. وبعث إلى سائر الأقاليم في تجهيز الفعلة من كل بلد إليها، من مصر والشام والعراق، فاجتمع عليها خلق كثير، وأمره أن يجعلها ميلا في ميل، وأن يجعل سورها ثلاث فراسخ، وأن يجعل لها ثلاثة أبواب.

[ذكر أول المحنة والفتنة]

في هذه السنة كتب المأمون إلى نائبة ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن. وأن يرسل إليه جماعة منهم، وكتب إليه يستحثه في كتاب مطول وكتب غيره قد سردها ابن جرير كلها، ومضمونها الاحتجاج على أن القرآن محدث وكل محدث مخلوق، وهذا احتجاج لا يوافقه عليه كثير من المتكلمين فضلا عن المحدثين، فان القائلين بأن الله تعالى تقوم به الأفعال الاختيارية لا يقولون بان فعله تعالى القائم بذاته المقدسة، مخلوق، بل لم يكن مخلوقا، بل يقولون هو محدث وليس بمخلوق، بل هو كلام الله القائم بذاته المقدسة، وما كان قائما بذاته لا يكون مخلوقا، وقد قال الله تعالى ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ وقال تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ فالأمر بالسجود صدر منه بعد خلق آدم، فالكلام القائم بالذات ليس مخلوقا، وهذا له موضع آخر. وقد صنف البخاري كتابا في هذا المعنى سماه خلق أفعال العباد. والمقصود أن كتاب المأمون لما ورد بغداد قرئ على الناس، وقد عين المأمون جماعة من المحدثين ليحضرهم إليه، وهم محمد بن سعد كاتب الواقدي، وأبو مسلم المستملي، ويزيد بن هارون (١) ويحيى بن معين وأبو خيثمة زهير بن حرب، وإسماعيل بن أبى مسعود. وأحمد ابن الدورقي. فبعث بهم إلى المأمون إلى الرقة فامتحنهم بخلق القرآن فأجابوه إلى ذلك وأظهروا موافقته وهم كارهون، فردهم إلى بغداد وأمر باشهار أمرهم بين الفقهاء، ففعل إسحاق ذلك. وأحضر خلقا من مشايخ الحديث والفقهاء وأئمة المساجد وغيرهم، فدعاهم إلى ذلك عن أمر المأمون، وذكر لهم موافقة أولئك المحدثين له على ذلك، فأجابوا بمثل جواب أولئك موافقة لهم، ووقعت بين الناس فتنة عظيمة فانا لله وإنا إليه راجعون. ثم كتب المأمون إلى إسحاق أيضا بكتاب ثان يستدل به على القول بخلق القرآن بشبه من الدلائل أيضا لا تحقيق تحتها ولا حاصل لها، بل هي من المتشابه


(١) قد ذكر المؤلف وفاة يزيد بن هارون في سنة ست ومائتين، ثم ذكره هنا في المحضرين فلا وجه إلا أن يكون غالطا هنا أو هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>