للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثم دخلت سنة خمس وسبعين وستمائة]

في ثالث عشر المحرم منها دخل السلطان إلى دمشق وسبق العساكر إلى بلاد حلب، فلما توافت إليه أرسل بين يديه الأمير بدر الدين الاتابكى بألف فارس إلى البلستين، فصادف بها جماعة من عسكر الروم فركبوا إليه وحملوا إليه الاقامات، وطلب جماعة منهم أن يدخلوا بلاد الإسلام فأذن لهم، فدخل طائفة منهم بيجار وابن الخطير، فرسم لهم أن يدخلوا القاهرة فتلقاهم الملك السعيد، ثم عاد السلطان من حلب إلى القاهرة فدخلها في ثانى عشر ربيع الآخر.

وفي خامس جمادى الأولى عمل السلطان عرس ولده الملك السعيد على بنت قلاوون، واحتفل السلطان به احتفالا عظيما، وركب الجيش في الميدان خمسة أيام يلعبون ويتطاردون، ويحمل بعضهم على بعض، ثم خلع على الأمراء وأرباب المناصب، وكان مبلغ ما خلع ألف وثلاثمائة خلعة بمصر، وجاءت مراسيمه إلى الشام بالخلع على أهلها، ومد السلطان سماطا عظيما حضره الخاص والعام، والشارد والوارد، وحبس فيه رسل التتار ورسل الفرنج وعليهم كلهم الخلع الهائلة، وكان وقتا مشهودا، وحمل صاحب حماه هدايا عظيمة وركب إلى مصر للتهنئة. وفي حادي عشر شوال طيف بالمحمل وبكسوة الكعبة المشرفة بالقاهرة، وكان يوما مشهودا.

[وقعة البلستين وفتح قيسارية]

ركب السلطان من مصر في العساكر فدخل دمشق في سابع عشر شوال، فأقام بها ثلاثة أيام، ثم سار حتى دخل حلب في مستهل ذي القعدة، فأقام بها يوما ورسم لنائب حلب أن يقيم بعسكر حلب على الفرات لحفظ المنائر، وسار السلطان فقطع الدربند في نصف يوم، ووقع سنقر الأشقر في أثناء الطريق بثلاثة آلاف من المغول فهزمهم يوم الخميس تاسع ذي القعدة وصعد العسكر على الجبال فأشرفوا على وطأة البلستين فرأوا التتار قد رتبوا عسكرهم وكانوا أحد عشر ألف مقاتل، وعزلوا عنهم عسكر الروم خوفا من مخامرتهم، فلما تراءى الجمعان حملت ميسرة التتار فصدمت سناجق السلطان، ودخلت طائفة منهم بينهم فشقوها، وساقت إلى الميمنة، فلما رأى السلطان ذلك أردف المسلمين بنفسه ومن معه، ثم لاحت منه التفاتة فرأى الميسرة قد كادت أن تتحطم فأمر جماعة من الأمراء باردافها، ثم حمل العسكر جميعه حملة واحدة على التتار فترجلوا إلى الأرض عن آخرهم، وقاتلوا المسلمين قتالا شديدا، وصبر المسلمون صبرا عظيما، فأنزل الله نصره على المسلمين، فأحاطت بالتتار العساكر من كل جانب، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وقتل من المسلمين أيضا جماعة، وكان في جملة من قتل من سادات المسلمين الأمير الكبير ضياء الدين ابن الخطير، وسيف الدين قيماز، وسيف الدين بنجو الجاشنكير، وعز الدين أيبك الثقفي، وأسر جماعة من أمراء المغول، ومن أمراء

<<  <  ج: ص:  >  >>