سنة ستين، وسافر في طلب الحديث إلى بلاد كثيرة، وسمع كثيرا، وكان له معرفة جيدة بهذه الصناعة، وصنف كتبا مفيدة، غير أنه صنف كتابا في إباحة السماع، وفي التصوف، وساق فيه أحاديث منكرة جدا، وأورد أحاديث صحيحة في غيره وقد أثنى على حفظه غير واحد من الأئمة.
وذكر ابن الجوزي في كتابه هذا الّذي سماه. «صفة التصوف» وقال عنه يضحك منه من رآه، قال وكان داودى المذهب، فمن أثنى عليه أثنى لأجل حفظه للحديث، وإلا فما يجرح به أولى. قال:
وذكره أبو سعد السمعاني وانتصر له بغير حجة، بعد أن قال سألت عنه شيخنا إسماعيل بن أحمد الطلحي فأكثر الثناء عليه، وكان سيئ الرأى فيه. قال وسمعنا أبا الفضل ابن ناصر يقول: محمد بن طاهر لا يحتج به، صنف في جواز النظر إلى المرد، وكان يذهب مذهب الاباحية، ثم أورد له من شعره قوله في هذه الأبيات.
دع التصوف والزهد الّذي اشتغلت … به خوارج أقوام من الناس
وعج على دير داريا فان به الرهبان … ما بين قسيس وشماس
واشرب معتقة من كف كافرة … تسقيك خمرين من لحظ ومن كاس
ثم استمع رنة الأوتار من رشأ … مهفهف طرفه أمضى من الماس
غنى بشعر امرئ في الناس مشتهر … مدون عندهم في صدر قرطاس
لولا نسيم بدا منكم يروحنى … لكنت محترقا من حر أنفاسى
ثم قال السمعاني: لعله قد تاب من هذا كله. قال ابن الجوزي: وهذا غير مرضى أن يذكر جرح الأئمة له ثم يعتذر عن ذلك باحتمال توبته، وقد ذكر ابن الجوزي أنه لما احتضر جعل يردد هذا البيت.
وما كنتم تعرفون الجفا … فمن نرى قد تعلمتم
ثم كانت وفاته بالجانب الغربي من بغداد في ربيع الأول منها.
[أبو بكر الشاشي]
صاحب المستظهري محمد بن أحمد بن الحسين الشاشي، أحد أئمة الشافعية في زمانه، ولد في المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وسمع الحديث على أبى يعلى بن الفراء، وأبى بكر الخطيب، وأبى إسحاق الشيرازي، وتفقه عليه وعلى غيره، وقرأ الشامل على مصنفه ابن الصباغ، واختصره في كتابه الّذي جمعه للمستظهر بالله، وسماه حلية العلماء بمعرفة مذاهب الفقهاء، ويعرف بالمستظهري، وقد درس بالنظاميّة ببغداد ثم عزل عنها وكان ينشد:
تعلم يا فتى والعود غض … وطينك لين والطبع قابل
فحسبك يا فتى شرفا وفخرا … سكوت الحاضرين وأنت قائل