رأيه، ومن رأيه أن يضرب عنق من لم يقل بقوله. فعند ذلك عقد النائب ببغداد مجلسا آخر وأحضر أولئك وفيهم إبراهيم بن المهدي، وكان صاحبا لبشر بن الوليد الكندي، وقد نص المأمون على قتلهما إن لم يجيبا على الفور، فلما امتحنهم إسحاق أجابوا كلهم مكرهين متأولين قوله تعالى ﴿إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ﴾ الآية. إلا أربعة وهم: أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، والحسن ابن حماد سجادة، وعبيد الله بن عمر القواريري. فقيدهم وأرصدهم ليبعث بهم إلى المأمون، ثم استدعى بهم في اليوم الثاني فامتحنهم فأجاب سجادة إلى القول بذلك فأطلق. ثم امتحنهم في اليوم الثالث فأجاب القواريري إلى ذلك فأطلق قيده. وأخر أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح الجنديسابوري لأنهما أصرّا على الامتناع من القول بذلك، فأكد قيودهما وجمعهما في الحديد وبعث بهما إلى الخليفة وهو بطرسوس، وكتب كتابا بإرسالهما إليه. فساروا مقيدين في محارة على جمل متعادلين ﵄. وجعل الإمام أحمد يدعو الله ﷿ أن لا يجمع بينهما وبين المأمون، وأن لا يرياه ولا يراهما. ثم جاء كتاب المأمون إلى نائبة أنه قد بلغني أن القوم إنما أجابوا مكرهين متأولين قوله تعالى ﴿إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ﴾ الآية. وقد أخطأوا في تأويلهم ذلك خطأ كبيرا، فأرسلهم كلهم إلى أمير المؤمنين. فاستدعاهم إسحاق وألزمهم بالمسير إلى طرسوس فساروا إليها، فلما كانوا ببعض الطريق بلغهم موت المأمون فردوا إلى الرقة، ثم أذن لهم بالرجوع إلى بغداد. وكان أحمد ابن حنبل وابن نوح قد سبقا الناس، ولكن لم يجتمعا به. بل أهلكه الله قبل وصولهما إليه، واستجاب الله سبحانه دعاء عبده ووليه الإمام أحمد بن حنبل، فلم يريا المأمون ولا رآهما، بل ردوا إلى بغداد. وسيأتي تمام ما وقع لهم من الأمر الفظيع في أول ولاية المعتصم بن الرشيد، وتمام باقي الكلام على ذلك في ترجمة الإمام أحمد عند ذكر وفاته في سنة إحدى وأربعين ومائتين وبالله المستعان.
[وهذه ترجمة المأمون]
هو عبد الله المأمون بن هارون الرشيد العباسي القرشي الهاشمي أبو جعفر أمير المؤمنين، وأمه أم ولد يقال لها مراجل الباذغيسية، وكان مولده في ربيع الأول سنة سبعين ومائة ليلة توفى عمه الهادي، وولى أبوه هارون الرشيد، وكان ذلك ليلة الجمعة كما تقدم، قال ابن عساكر: روى الحديث عن أبيه وهاشم بن بشر، وأبى معاوية الضرير، ويوسف بن قحطبة، وعباد بن العوام، وإسماعيل بن علية، وحجاج بن محمد الأعور. وروى عنه أبو حذيفة إسحاق بن بشر - وهو أسن منه - ويحيى بن أكثم القاضي وابنه الفضل بن المأمون ومعمر بن شبيب وأبو يوسف القاضي وجعفر بن أبى عثمان الطيالسي وأحمد بن الحارث الشعبي - أو اليزيدي - وعمرو بن مسعدة وعبد الله بن طاهر بن الحسين، ومحمد بن إبراهيم السلمي ودعبل بن على الخزاعي. قال: وقدم دمشق مرات وأقام بها مدة، ثم روى ابن عساكر