للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنز، فاستدعاه فنهض واللبن يسيل على لحيته، فقال جرير للذي سأله: أتبصر هذا؟ قال: نعم، قال:

أتعرفه؟ قال: لا، قال: هذا أبى، وإنما يشرب من ضرع العنز لئلا يحلبها فيسمع جيرانه حس الحلب فيطلبوا منه لبنا، فأشعر الناس من فاخر بهذا ثمانين شاعرا فغلبهم، وقد كان بين جرير والفرزدق مقاولات ومهاجاة كثيرة جدا يطول ذكرها، وقد مات في سنة عشر ومائة، قاله خليفة بن خياط وغير واحد، قال خليفة: مات الفرزدق وجرير بعده بأشهر، وقال الصولي: ماتا في سنة إحدى عشرة ومائة، ومات الفرزدق قبل جرير بأربعين يوما، وقال الكريمي عن الأصمعي عن أبيه قال: رأى رجل جريرا في المنام بعد موته فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقيل: بماذا؟ قال بتكبيرة كبرتها بالبادية، قيل له: فما فعل الفرزدق؟ قال أيهات أهلكه قذف المحصنات. قال الأصمعي لم يدعه في الحياة ولا في الممات

[وأما الفرزدق]

واسمه همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن حنظلة بن زيد بن مناة بن مر بن أد بن طابخة أبو فراس بن أبى خطل التميمي البصري الشاعر المعروف بالفرزدق، وجده صعصعة بن ناجية صحابى، وفد إلى رسول الله ، وكان يحيى الموءودة في الجاهلية،

حدث الفرزدق عن على أنه ورد مع أبيه عليه، فقال من هذا؟ قال ابني وهو شاعر، قال علمه القراءة فهو خير له من الشعر. وسمع الفرزدق الحسين بن على ورآه وهو ذاهب إلى العراق وأبا هريرة وأبا سعيد الخدريّ وعرفجة بن أسعد، وزرارة بن كرب، والطرماح بن عدي الشاعر، وروى عنه خالد الحذاء ومروان الأصغر وحجاج بن حجاج الأحول، وجماعة، وقد وفد على معاوية يطلب ميراث عنه الحباب، وعلى الوليد بن عبد الملك وعلى أخيه، ولم يصح ذلك،

وقال أشعث بن عبد الله عن الفرزدق قال نظر أبو هريرة إلى قدمي فقال: يا فرزدق إني أرى قدميك صغيرين فاطلب لهما موضعا في الجنة، فقلت: إن ذنوبي كثيرة، فقال: لا بأس فانى سمعت رسول الله يقول: «إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها». وقال معاوية بن عبد الكريم عن أبيه قال: دخلت على الفرزدق فتحرك فإذا في رجله قيد، فقلت: ما هذا؟ فقال:

حلفت أن لا أنزعه حتى أحفظ القرآن. وقال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت بدويا أقام بالحضر إلا فسد لسانه إلا رؤبة بن العجاج والفرزدق فإنهما زادا على طول الاقامة جدة وحدة، وقال راويته أبو شفعل طلق الفرزدق امرأته النوار ثلاثا ثم جاء فأشهد على ذلك الحسن البصري، ثم ندم على طلاقها وإشهاده الحسن على ذلك فأنشأ يقول: -

فلو أنى ملكت يدي وقلبي … لكان عليّ للقدر الخيار

<<  <  ج: ص:  >  >>