بما في يد الله أوثق مما في يده، ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده، أفأنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة، ولا يغفر ذنبا، ثم قال: ألا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال:
من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره، إن عيسى بن مريم قام في بنى إسرائيل خطيبا فقال: يا بنى إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموها - وقال مرة فتظلموهم - ولا تظلموا ظالما، ولا تطاولوا ظالما فيبطل فضلكم عند ربكم، يا بنى إسرائيل الأمور ثلاثة، أمر تبين رشده فاتبعوه، وأمر تبين غيه فاجتنبوه، وامر اختلف فيه فردوه إلى الله». وهذه الألفاظ لا تحفظ عن النبي ﷺ بهذا السياق إلا من حديث محمد بن كعب عن ابن عباس، وقد روى أول الحديث إلى ذكر عيسى من غير طريقه، وسيأتي أن هذا الحديث تفرد به الطبراني بطوله والله ﷾ أعلم] (١) وفيها توفى أبو نضرة المنذر بن مالك بن قطعة العبديّ، وقد ذكرنا تراجمهم في كتابنا التكميل.
[ثم دخلت سنة تسع ومائة]
ففيها عزل هشام بن عبد الملك أسد بن عبد الله القسري عن إمرة خراسان وأمره أن يقدم إلى الحج، فأقبل منها في رمضان، واستخلف على خراسان الحكم بن عوانة الكلبي، واستناب هشام على خراسان أشرس بن عبد الله السلمي، وأمره أن يكاتب خالد بن عبد الله القسري، وكان أشرس فاضلا خيرا، وكان سمى الكامل لذلك، وكان أول من اتخذ المرابطة بخراسان، واستعمل المرابطة عبد الملك بن زياد الباهلي، وتولى هو الأمور بنفسه كبيرها وصغيرها، ففرح بها أهلها. وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام أمير الحرمين.
سنة عشر ومائة من الهجرة النبويّة
فيها قاتل مسلمة بن عبد الملك ملك الترك الأعظم خاقان، فزحف إلى مسلمة في جموع عظيمة فتواقفوا نحوا من شهر، ثم هزم الله خاقان زمن الشتاء، ورجع مسلمة سالما غانما، فسلك على مسلك ذي القرنين في رجوعه إلى الشام، وتسمى هذه الغزاة غزاة الطين، وذلك أنهم سلكوا على مغارق ومواضع غرق فيها دواب كثيرة، وتوحل فيها خلق كثير، فما نجوا حتى قاسوا شدائد وأهوالا صعابا وشدائد عظاما، وفيها دعا أشرس بن عبد الله السلمي نائب خراسان أهل الذمة بسمرقند ومن وراء النهر إلى الدخول في الإسلام، ويضع عنهم الجزية فأجابوه إلى ذلك، وأسلم غالبهم، ثم طالبهم