[ذكر مقتل المنصور لاجين وعود الملك إلى الناصر محمد بن قلاوون]
لما كان يوم السبت التاسع عشر ربيع الآخر وصل جماعة من البريدية وأخبروا بقتل السلطان الملك المنصور لاجين ونائبة سيف الدين منكوتمر، وأن ذلك كان ليلة الجمعة حادي عشره، على يد الأمير سيف الدين كرجى الاشرفى ومن وافقه من الأمراء، وذلك بحضور القاضي حسام الدين الحنفي وهو جالس في خدمته يتحدثان، وقيل كانا يلعبان بالشطرنج، فلم يشعرا إلا وقد دخلوا عليهم فبادروا إلى السلطان بسرعة جهرة ليلة الجمعة فقتلوه وقتل نائبة صبرا صبيحة يوم الجمعة وألقى على مزبلة، واتفق الأمراء على إعادة ابن أستاذهم الملك الناصر محمد بن قلاوون، فأرسلوا وراءه، وكان بالكرك ونادوا له بالقاهرة، وخطب له على المنابر قبل قدومه، وجاءت الكتب إلى نائب الشام قبجق فوجدوه قد فرّ خوفا من غائلة لاجين، فسارت إليه البريدية فلم يدركوه إلا وقد لحق بالمغول عند رأس العين، من أعمال ماردين، وتفارط الحال ولا قوة إلا بالله.
وكان الّذي شمر العزم وراءهم وساق ليردهم الأمير سيف الدين بلبان، وقام بأعباء البلد نائب القلعة علم الدين أرجواش، والأمير سيف الدين جاعان، واحتاطوا على ما كان له اختصاص بتلك الدولة، وكان منهم جمال الدين يوسف الرومي محتسب البلد، وناظر المارستان، ثم أطلق بعد مدة وأعيد إلى وظائفه، واحتيط أيضا على سيف الدين جاعان وحسام الدين لاجين والى البر، وأدخلا القلعة، وقتل بمصر الأمير سيف الدين طغجى، وكان قد ناب عن الناصر أربعة أيام، وكرجى الّذي تولى قتل لاجين فقتلا وألقيا على المزابل، وجعل الناس من العامة وغيرهم يتأملون صورة طغجى، وكان جميل الصورة، ثم بعد الدلال والمال والملك وارتهم هناك قبور، فدفن السلطان لاجين وعند رجليه نائبة منكوتمر، ودفن الباقون في مضاجعهم هنالك.
وجاءت البشائر بدخول الملك الناصر إلى مصر يوم السبت رابع جمادى الاولى، وكان يوما مشهودا، ودقت البشائر ودخل القضاة وأكابر الدولة إلى القلعة، وبويع بحضرة علم الدين أرجواش، وخطب له على المنابر بدمشق وغيرها بحضرة أكابر العلماء والقضاة والأمراء، وجاء الخبر بأنه قد ركب وشق القاهرة وعليه خلعة الخليفة، والجيش معه مشاة، فضربت البشائر أيضا. وجاءت مراسيمه فقرئت على السدة وفيها الرّفق بالرعايا والأمر بالإحسان إليهم، فدعوا له، وقدم الأمير جمال الدين آقوش الافرم نائبا على دمشق، فدخلها يوم الأربعاء قبل العصر ثانى عشرين جمادى الأولى، فنزل بدار السعادة على العادة، وفرح الناس بقدومه، وأشعلوا له الشموع، وكذلك يوم الجمعة أشعلوا له لما جاء إلى صلاة الجمعة بالمقصورة. وبعد أيام أفرج عن جاعان ولاجين والى البر، وعادا إلى ما كانا عليه، واستقر الأمير حسام الدين الاستادار أتابكا للعساكر المصرية، والأمير