وقيل سنة عشرين والله أعلم، توفى بالمدينة وصلى عليه عمر ومشى في جنازته ودفن بالبقيع وخلف عدة أولاد فضلاء وأكابر * هشام بن العاص أخو عمرو بن العاص تقدم وقال ابن سعد: قتل يوم اليرموك.
[ثم دخلت سنة ست عشرة]
استهلت هذه السنة وسعد بن أبى وقاص منازل مدينة نهر شير، وهي إحدى مدينتي كسرى مما يلي دجلة من الغرب، وكان قدوم سعد إليها في ذي الحجة من سنة خمس عشرة، واستهلت هذه السنة وهو نازل عندها. وقد بعث السرايا والخيول في كل وجه، فلم يجدوا واحدا من الجند، بل جمعوا من الفلاحين مائة ألف فحبسوا حتى كتب إلى عمر ما يفعل بهم، فكتب إليه عمر: إن من كان من الفلاحين لم يعن عليكم وهو مقيم ببلده فهو أمانه، ومن هرب فأدركتموه فشأنكم به. فأطلقهم سعد بعد ما دعاهم إلى الإسلام فأبوا إلا الجزية. ولم يبق من غربي دجلة إلى أرض العرب أحد من الفلاحين إلا تحت الجزية والخراج، وامتنعت نهر شير من سعد أشد الامتناع، وقد بعث إليهم سعد سلمان الفارسي فدعاهم إلى الله ﷿ أو الجزية أو المقاتلة، فأبوا إلا المقاتلة والعصيان، ونصبوا المجانيق والدبابات، وأمر سعد بعمل المجانيق فعملت عشرون منجنيقا، ونصبت على نهر شير، واشتد الحصار وكان أهل نهر شير يخرجون فيقاتلون قتالا شديدا ويحلفون أن لا يفروا أبدا، فأكذبهم الله وهزمهم زهرة بن حوية بعد ما أصابه سهم وقتل بعد مصابه كثيرا من الفرس وفروا بين يديه ولجئوا إلى بلدهم، فكانوا يحاصرون فيه أشد الحصار، وقد انحصر أهل البلد حتى أكلوا الكلاب والسنانير وقد أشرف رجل منهم على المسلمين فقال: يقول لكم الملك: هل لكم إلى المصالحة على أن لنا ما يلينا من دجلة إلى جبلنا، ولكم ما يليكم من دجلة إلى جبلكم؟ أما شبعتم؟ لا أشبع الله بطونكم.
قال: فبدر الناس رجل يقال له أبو مقرن الأسود بن قطبة فأنطقه الله بكلام لم يدر ما قال لهم، فقال:
فرجع الرج ورأيناهم يقطعون من نهر شير إلى المدائن. فقال الناس لأبى مقرن: ما قلت لهم؟ فقال:
والّذي بعث محمدا بالحق ما أدرى ما قلت لهم إلا أن على سكينة وأنا أرجو أن أكون قد أنطقت بالذي هو خير، وجعل الناس ينتابونه يسألونه عن ذلك، وكان فيمن سأله سعد بن أبى وقاص، وجاءه سعد إلى منزله فقال: يا أبا مقرن ما قلت؟ فو الله إنهم هراب. فحلف له أنه لا يدرى ما قال. فنادى سعد في الناس ونهد بهم إلى البلد والمجانيق تضرب في البلد، فنادى رجل من البلد بالأمان فأمناه، فقال والله ما بالبلد أحد، فتسور الناس السور فما وجدنا فيها أحدا إلا قد هربوا إلى المدائن. وذلك في شهر صفر من هذه السنة فسألنا ذلك الرجل وأناسا من الأسارى فيها لأى شيء هربوا؟ قالوا بعث الملك إليكم يعرض عليكم الصلح فأجابه ذلك الرجل بأنه لا يكون بينكم وبينه صلح أبدا حتى نأكل