عسل افريذين يأترج كوثى. فقال الملك: يا ويلاه إن الملائكة لتتكلم على ألسنتهم، ترد علينا وتجيبنا عن العرب. ثم أمر الناس بالرحيل من هناك إلى المدائن فجازوا في السفن منها إليها وبينهما دجلة، وهي قريبة منها جدا، ولما دخل المسلمون نهر شير لاح لهم القصر الأبيض من المدائن وهو قصر الملك الّذي ذكره رسول الله ﷺ أنه سيفتحه الله على أمته، وذلك قريب الصباح، فكان أول من رآه من المسلمين ضرار بن الخطاب، فقال: الله أكبر أبيض كسرى، هذا ما وعدنا الله ورسوله.
ونظر الناس إليه فتتابعوا التكبير إلى الصبح.
[ذكر فتح المدائن التي هي مستقر ملك كسرى]
لما فتح سعد نهر شير واستقر بها، وذلك في صفة لم يجد فيها أحدا ولا شيئا مما يغنم، بل قد تحولوا بكمالهم إلى المدائن وركبوا السفن وضموا السفن إليهم، ولم يجد سعد ﵁ شيئا من السفن وتعذر عليه تحصيل شيء منها بالكلية، وقد زادت دجلة زيادة عظيمة واسودّ ماؤها، ورمت بالزبد من كثرة الماء بها، وأخبر سعد بأن كسرى يزدجرد عازم على أخذ الأموال والأمتعة من المدائن إلى حلوان، وأنك إن لم تدركه قبل ثلاث فات عليك وتفارط الأمر. فخطب سعد المسلمين على شاطئ دجلة، فحمد الله وأثنى عليه وقال إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليهم معه، وهم يخلصون إليكم إذا شاءوا فينا وشونكم في سفنهم، وليس وراءكم شيء تخافون أن تؤتوا منه، وقد رأيت أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل أن تحصركم الدنيا، ألا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم. فقالوا جميعا: عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل. فعند ذلك ندب سعد الناس إلى العبور ويقول: من يبدأ فيحمى لنا الفراض - يعنى ثغرة المخاضة من الناحية الأخرى - ليجوز الناس إليهم آمنين، فانتدب عاصم بن عمرو وذو البأس من الناس قريب من ستمائة، فأمرّ سعد عليهم عاصم ابن عمرو فوقفوا على حافة دجلة فقال عاصم: من ينتدب معى لنكون قبل الناس دخولا في هذا البحر فنحمى الفراض من الجانب الآخر؟ فانتدب له ستون من الشجعان المذكورين - والأعاجم وقوف صفوفا من الجانب الآخر - فتقدم رجل من المسلمين وقد أحجم الناس عن الخوض في دجلة، فقال:
أتخافون من هذه النطفة؟ ثم تلا قوله تعالى ﴿وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً﴾ ثم أقحم فرسه فيها واقتحم الناس، وقد افترق الستون فرقتين أصحاب الخيل الذكور، وأصحاب الخيل الإناث. فلما رآهم الفرس يطفون على وجه الماء قالوا: دبوانا دبوانا. يقولون مجانين مجانين. ثم قالوا:
والله ما تقاتلون إنسا بل تقاتلون جنا. ثم أرسلوا فرسانا منهم في الماء يلتقون أول المسلمين ليمنعوهم من الخروج من الماء، فأمر عاصم بن عمرو أصحابه أن يشرعوا لهم الرماح ويتوخوا الأعين، ففعلوا ذلك بالفرس فقلعوا عيون خيولهم، فرجعوا أمام المسلمين لا يملكون كف خيولهم حتى خرجوا من