للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دمشق في غيبة عمه. وذلك بإشارة أخيه صاحب حلب، وملك حِمْصَ أَسَدِ الدِّينِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهَا وَنَزَلَ حواليها قطع أنهارها وعقر أشجارها، وأكل ثمارها، ونزل بمخيمه على مسجد القدم، وَجَاءَ إِلَيْهِ أَخُوهُ الظَّاهِرُ وَابْنُ عَمِّهِ الْأَسَدُ الكاسر وجيش حماه، فكثر جيشه وقوى بأسه، وَقَدْ دَخَلَ جَيْشُهُ إِلَى الْبَلَدِ، وَنَادَوْا بِشِعَارِهِ فَلَمْ يُتَابِعْهُمْ مِنَ الْعَامَّةِ أَحَدٌ، وَأَقْبَلَ الْعَادِلُ من ماردين بعساكره وقد التف عليه أمراء أخيه وطائفة بَنِي أَخِيهِ، وَأَمَدَّهُ كُلُّ مِصْرٍ بِأَكَابِرِهِ، وَسَبَقَ الأفضل إلى دمشق بيومين فحصنها وحفظها، وِقَدِ اسْتَنَابَ عَلَى مَارِدِينَ وَلَدَهُ مُحَمَّدًا الْكَامِلَ. وَلَمَّا دَخَلَ دِمَشْقَ خَامَرَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْأُمَرَاءِ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَضَعُفَ أَمْرُ الْأَفْضَلِ وَيَئِسَ من برهم وخيرهم، فأقام محاصر البلد بمن معه حتى انسلخ الحول ثُمَّ انْفَصَلَ الْحَالُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ الْآتِيَةِ على ما سيأتي.

وَفِيهَا شَرَعَ فِي بِنَاءِ سُورِ بَغْدَادَ بِالْآجُرِّ وَالْكِلْسِ، وَفَرَّقَ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَكَمَلَتْ عِمَارَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ، فَأَمِنَتْ بَغْدَادُ مِنَ الْغَرَقِ وَالْحِصَارِ، ولم يكن لها سور قبل ذلك.

[وفيها توفى السلطان أبو محمد يعقوب بن يوسف]

ابن عبد المؤمن، صاحب المغرب والأندلس بمدينته، وكان قد بنى عِنْدَهَا مَدِينَةً مَلِيحَةً سَمَّاهَا الْمَهْدِيَّةَ، وَقَدْ كَانَ دَيِّنًا حَسَنَ السِّيرَةِ صَحِيحَ السَّرِيرَةِ، وَكَانَ مَالِكِيَّ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ صَارَ ظَاهِرِيًّا حَزْمِيًّا ثُمَّ مَالَ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَقْضَى فِي بَعْضِ بِلَادِهِ مِنْهُمْ قُضَاةً، وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ كَثِيرَ الْجِهَادِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَكَانَ قَرِيبًا إلى المرأة والضعيف رحمه الله. وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْهِ صَلَاحُ الدِّينِ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَى الْفِرِنْجِ فَلَمَّا لَمْ يُخَاطِبْهُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ غَضِبَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى مَا طَلَبَ مِنْهُ، وَقَامَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ مُحَمَّدٌ فَسَارَ كَسِيرَةِ وَالِدِهِ، وَرَجَعَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْبُلْدَانِ اللَّاتِي كَانَتْ قَدْ عَصَتْ عَلَى أَبِيهِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ تَفَرَّقَتْ بِهِمُ الْأَهْوَاءُ وباد هذا البيت بعد الملك يعقوب.

وفيها ادعى رجل أعجمى بدمشق أنه عيسى بن مريم، فأمر الأمير صارم الدين برغش نائب القلعة، بصلبه عِنْدَ حَمَّامِ الْعِمَادِ الْكَاتِبِ، خَارِجَ بَابِ الْفَرَجِ مُقَابِلَ الطَّاحُونِ الَّتِي بَيْنَ الْبَابَيْنِ، وَقَدْ بَادَ هَذَا الْحَمَّامُ قَدِيمًا، وَبَعْدَ صَلْبِهِ بِيَوْمَيْنِ ثَارَتِ الْعَامَّةُ عَلَى الرَّوَافِضِ وَعَمَدُوا إِلَى قَبْرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِبَابِ الصَّغِيرِ يُقَالُ لَهُ وَثَّابٌ فَنَبَشُوهُ وَصَلَبُوهُ مَعَ كَلْبَيْنِ، وَذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ منها.

وفيها وَقَعَتْ فِتْنَةٌ كَبِيرَةٌ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ، وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ فَخْرَ الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ الرَّازِيَّ وَفَدَ إِلَى الْمَلِكِ غِيَاثِ الدِّينِ الْغُورِيِّ صَاحِبِ غَزْنَةَ، فَأَكْرَمَهُ وَبَنَى لَهُ مَدْرَسَةً بِهَرَاةَ، وَكَانَ أَكْثَرُ الْغُورِيَّةِ كَرَّامِيَّةً فَأَبْغَضُوا الرَّازِيَّ وَأَحَبُّوا إِبْعَادَهُ عَنِ الْمَلِكِ، فَجَمَعُوا لَهُ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ، وَخَلْقًا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَحَضَرَ ابْنُ الْقَدْوَةِ وَكَانَ شَيْخًا مُعَظَّمًا فِي النَّاسِ، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ كِرَامٍ وَابْنِ الْهَيْصَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>