والميمنة من الشاميين فحمل الخراسانيون على أهل الشام وكانت الهزيمة، وانهزم عبد الله بن على بعد تلوم، واحتاز أبو مسلم ما كان في معسكرهم، وأمن أبو مسلم بقية الناس فلم يقتل منهم أحدا، وكتب إلى المنصور بذلك، فأرسل المنصور مولاه أبا الخصيب ليحصى ما وجدوا في معسكر عبد الله، فغضب من ذلك أبو مسلم الخراساني. واستوسقت الممالك لأبى جعفر المنصور، ومضى عبد الله بن على وأخوه عبد الصمد على وجهيهما، فلما مرا بالرصافة أقام بها عبد الصمد، فلما رجع أبو الخصيب وجده بها فأخذه معه مقيدا في الحديد فأدخله على المنصور فدفعه إلى عيسى بن موسى فاستأمن له المنصور، وقيل بل استأمن له إسماعيل بن على. وأما عبد الله بن على فإنه ذهب إلى أخيه سليمان ابن على بالبصرة فأقام عنده زمانا مختفيا، ثم علم به المنصور فبعث إليه فسجنه [في بيت بنى أسامة على الملح ثم أطلق عليه الماء فذاب الملح وسقط البيت على عبد الله فمات. وهذه من بعض دواهي المنصور والله سبحانه أعلم](١). فلبث في السجن سبع سنين ثم سقط عليه في البيت الّذي هو فيه فمات كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
[ذكر مهلك أبى مسلم الخراساني صاحب دعوة بنى العباس]
في هذه السنة أيضا لما فرغ أبو مسلم من الحج سبق الناس بمرحلة فجاءه خبر السفاح في الطريق فكتب إلى أبى جعفر يعزيه في أخيه ولم يهنئه بالخلافة، ولا رجع إليه. فغضب المنصور من ذلك مع ما كان قد أضمر له من السوء إذا أفضت إليه الخلافة، وقيل إن المنصور هو الّذي كان قد تقدم بين يدي الحج بمرحلة، وأنه لما جاءه خبر موت أخيه كتب إلى أبى مسلم يستعجله في السير كما قدمنا. فقال لأبى أيوب: اكتب له كتابا غليظا، فلما بلغه الكتاب أرسل يهنئه بالخلافة وانقمع من ذلك. وقال بعض الأمراء للمنصور: إنا نرى أن لا تجامعه في الطريق فان معه من الجنود من لا يخالفه، وهم له أهيب، وعلى طاعته أحرص، وليس معك أحد، فأخذ المنصور برأيه ثم كان من أمره في مبايعته لأبى جعفر ما ذكرنا، ثم بعثه إلى عمه عبد الله فكسره كما تقدم، وقد بعث في غبون ذلك الحسن بن قحطبة لأبى أيوب كاتب رسائل المنصور يشافهه ويخبره بأن أبا مسلم متهم عند أبى جعفر، فإنه إذا جاءه كتاب منه يقرأه ثم يلوى شدقيه ويرمى بالكتاب إلى أبى نصر ويضحكان استهزاء، فقال: أبو أيوب: إن تهمة أبى مسلم عندنا أظهر من هذا. ولما بعث أبو جعفر مولاه أبا الخصيب يقطين ليحتاط على ما أصيب من معسكر عبد الله من الأموال والجواهر الثمينة وغيرها، غضب أبو مسلم فشتم أبا جعفر وهمّ بأبي الخصيب، حتى قيل له: إنه رسول فتركه ورجع. فلما قدم أخبر المنصور بما كان وبما همّ به أبو مسلم من قتله، فغضب المنصور وخشي أن يذهب أبو مسلم إلى