ثلث مغلها، فأرسل معه جيشا عليه أسد الدين شيركوه بن شادى، فلما دخلوا بلاد مصر خرج إليهم الجيش الذين بها فاقتتلوا أشد القتال، فهزمهم أسد الدين وقتل منهم خلقا، وقتل ضرغام بن سوار وطيف برأسه في البلاد، واستقر أمر شاور في الوزارة، وتمهد حاله، ثم اصطلح العاضد وشاور على أسد الدين، ورجع عما كان عاهد عليه نور الدين، وأمر أسد الدين بالرجوع فلم يقبل منه، وعاث في البلاد، وأخذ أموالا كثيرة، وافتتح بلدانا كثيرة من الشرقية وغيرها، فاستغاث شاور عليهم بملك الفرنج الّذي بعسقلان، واسمه مري، فأقبل في خلق كثير فتحول أسد الدين إلى بلبيس وقد حصنها وشحنها بالعدد والآلات وغير ذلك، فحصروه فيها ثمانية أشهر، وامتنع أسد الدين وأصحابه أشد الامتناع، فبينما هم على ذلك إذ جاءت الأخبار بأن الملك نور الدين قدم اغتنم غيبة الفرنج فسار إلى بلادهم فقتل منهم خلقا كثيرا، وفتح حارم وقتل من الفرنج بها خلقا، وسار إلى بانياس، فضعف صاحب عسقلان الفرنجى، وطلبوا من أسد الدين الصلح فأجابهم إلى ذلك، وقبض من شاور ستين ألف دينار، وخرج أسد الدين وجيشه فساروا إلى الشام في ذي الحجة.
[وقعة حارم]
فتحت في رمضان من هذه السنة، وذلك أن نور الدين استغاث بعساكر المسلمين فجاءوه من كل فج ليأخذ ثأره من الفرنج، فالتقى معهم على حارم فكسرهم كسرة فظيعة، وأسر البرنس بيمند صاحب أنطاكية، والقومص صاحب طرابلس، والدوك صاحب الروم، وابن جوسليق، وقتل منهم عشرة آلاف، وقيل عشرين ألفا. وفي ذي الحجة منها فتح نور الدين مدينة بانياس، وقيل إنه إنما فتحها في سنة ستين فالله أعلم. وكان معه أخوه نصر الدين أمير أميران، فأصابه سهم في إحدى عينيه فأذهبها، فقال له الملك نور الدين: لو نظرت لما أعد الله لك من الأجر في الآخرة لأحببت أن تذهب الأخرى. وقال لابن معين الدين: إنه اليوم بردت جلدة والدك من نار جهنم، لأنه كان سلمها للفرنج، فصالحه عن دمشق. وفي شهر ذي الحجة احترق قصر جيرون حريقا عظيما، فحضر في تلك الليلة الأمراء منهم أسد الدين شيركوه، بعد رجوعه من مصر، وسعى سعيا عظيما في إطفاء هذه النار وصون حوزة الجامع منها.
[وممن توفى فيها من الأعيان.]
[جمال الدين]
وزير صاحب الموصل، قطب الدين مودود بن زنكي، كان كثير المعروف، واسمه محمد بن على ابن أبى منصور، أبو جعفر الأصبهاني، الملقب بالجمال، كان كثير الصدقة والبر، وقد أثر آثارا حسنة بمكة والمدينة، من ذلك أنه ساق عينا إلى عرفات، وعمل هناك مصانع، وبنى مسجد الخيف ودرجه، وعملها بالرخام، وبنى على المدينة النبويّة سورا، وبنى جسرا على دجلة عند جزيرة ابن