أسلمت قديما وكانت تخرج مع رسول الله ﷺ إلى الغزوات فتداوى الجرحى، وتسقى الماء للكلمى، وروت أحاديث كثيرة * وقد قتل في هذه السنة في أيام صفين خلق كثير وجم غفير، فقيل قتل من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفا. وقيل قتل من أهل العراق أربعون ألفا - من مائة وعشرين ألفا - وقتل من أهل الشام عشرون ألفا من ستين ألفا وبالجملة فقد كان فيهم أعيان ومشاهير يطول استقصاؤهم وفيما ذكرنا كفاية والله تعالى أعلم.
[ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين]
فيها بعث معاوية عمرو بن العاص إلى ديار مصر فأخذها من محمد بن أبى بكر واستناب معاوية عمرا عليها، وذلك كما سنبينه، وقد كان على ﵁ استناب عليها قيس بن سعد بن عبادة وانتزعها من يد محمد بن أبى حذيفة حين كان استحوذ عليها ومنع عبد الله بن سعد بن أبى سرح من التصرف فيها، حين حصر عثمان - وقد كان عثمان استخلفه عليها وعزل عنها عمرو بن العاص - وعمرو كان هو الّذي افتتحها كما قدمنا ذكر ذلك. ثم إن عليا عزل قيس بن سعد عنها وولى عليها محمد بن أبى بكر وقد ندم على على عزل قيس بن سعد عنها، وذلك أنه كان كفوا لمعاوية وعمرو، ولما ولى محمد بن أبى بكر لم يكن فيه قوة تعادل معاوية وعمرا، وحين عزل قيس بن سعد عنها رجع إلى المدينة ثم سار إلى على بالعراق فكان معه، وكان معاوية يقول: والله لقيس بن سعد عند على أبغض إلى من مائة ألف مقاتل بدله عنده، فشهد معه صفين فلما فرغ على من صفين وبلغه أن أهل مصر قد استخفوا بمحمد بن أبى بكر لكونه شاب ابن ست وعشرين سنة أو نحو ذلك عزم على رد مصر إلى قيس بن سعد وكان قد جعله على شرطته أو إلى الأشتر النخعي وقد كان نائبة على الموصل ونصيبين، فكتب إليه بعد صفين فاستقدمه عليه ثم ولاه مصر، فلما بلغ معاوية تولية على للأشتر النخعي ديار مصر بدل محمد بن أبى بكر عظم ذلك عليه، وذلك أنه كان قد طمع في مصر واستنزاعها من يد محمد ابن أبى بكر، وعلم أن الأشتر سيمنعها منه لحزمه وشجاعته، فلما سار الأشتر إليها وانتهى إلى القلزم استقبله الخانسار وهو مقدم على الخراج فقدم إليه طعاما وسقاه شرابا من عسل فمات منه، فلما بلغ ذلك معاوية وعمرا، وأهل الشام قالوا: إن لله جنودا من عسل. وقد ذكر ابن جرير في تاريخه أن معاوية كان قد تقدم إلى هذا الرجل في أن يحتال على الأشتر ليقتله ووعده على ذلك بأمور ففعل ذلك، وفي هذا نظر، وبتقدير صحته فمعاوية يستجيز قتل الأشتر لأنه من قتلة عثمان ﵁.
والمقصود أن معاوية وأهل الشام فرحوا فرحا شديدا بموت الأشتر النخعي، ولما بلغ ذلك عليا