للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مات وترك الناس على نهر مورود، فولى ذلك النهر بعده رجل فلم يستنقص منه شيئا حتى مات، ثم ولى ذلك النهر بعد ذلك الرجل رجل آخر فلم يستنقص منه شيئا حتى مات، ثم ولى ذلك النهر رجل آخر فكرى منه ساقية، ثم لم يزل الناس بعده يكرون السواقي حتى تركوه يابسا لا قطرة فيه، وايم الله لئن أبقانى الله لأردنه إلى مجراه الأول، فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط، وإذا كان الظلم من الأقارب الذين هم بطانة الوالي، والوالي لا يزيل ذلك، فكيف يستطيع أن يزيل ما هو ناء عنه في غيرهم؟ فقالت: فلا يسبوا عندك؟ قال: ومن يسبهم؟ إنما يرفع الرجل مظلمته فآخذ له بها. ذكر ذلك ابن أبى الدنيا وأبو نعيم وغيرهما، وقد أشار إليه المؤلف إشارة خفية.

وقال مسلمة بن عبد الملك: دخلت على عمر في مرضه فإذا عليه قميص وسخ، فقلت لفاطمة: ألا تغسلوا قميص أمير المؤمنين؟ فقالت: والله ما له قميص غيره، وبكى فبكت فاطمة فبكى أهل الدار، لا يدرى هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما انجلت عنهم العبرة قالت فاطمة: ما أبكاك يا أمير المؤمنين؟

فقال: إني ذكرت منصرف الخلائق من بين يدي الله، فريق في الجنة وفريق في السعير، ثم صرخ وغشي عليه.

وعرض عليه مرة مسك من بيت المال فسدّ أنفه حتى وضع، فقيل له في ذلك فقال: وهل ينتفع من المسك إلا بريحة؟ ولما احتضر دعا بأولاده وكانوا بضعة عشر ذكرا، فنظر إليهم فذرفت عيناه ثم قال: بنفسي الفتية. وكان عمر بن عبد العزيز يتمثل كثيرا بهذه الأبيات: -

يرى مستكينا وهو للقول ماقت ... به عن حديث القوم ما هو شاغله

وأزعجه علم عن الجهل كله ... وما عالم شيئا كمن هو جاهله

عبوس عن الجهال حين يراهم ... فليس له منهم خدين يهازله

تذكر ما يبقى من العيش فارعوى ... فأشغله عن عاجل العيش آجله

وروى ابن أبى الدنيا عن ميمون بن مهران قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وعنده سابق البربري وهو ينشده شعرا، فانتهى في شعره إلى هذه الأبيات: -

فكم من صحيح بات للموت آمنا ... أتته المنايا بغتة بعد ما هجع

فلم يستطع إذ جاءه الموت بغتة ... فرارا ولا منه بقوّته امتنع

فأصبح تبكيه النساء مقنعا ... ولا يسمع الداعي وإن صوته رفع

وقرب من لحد فصار مقيله ... وفارق ما قد كان بالأمس قد جمع

فلا يترك الموت الغنىّ لماله ... ولا معدما في المال ذا حاجة يدع

وقال رجا بن حيوة: لما مات أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وقام يزيد بن عبد الملك بعده

<<  <  ج: ص:  >  >>