فقرءوها فإذا فيها: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ براءة من الله لعمر بن عبد العزيز من النار. فأدخلوها بين أكفانه ودفنوها معه.
وروى نحو هذا من وجه آخر ابن عساكر في ترجمة عبد الصمد بن إسماعيل بسنده عن عمير ابن حبيب السلمي، قال: أسرت أنا وثمانية في زمن بنى أمية، فأمر ملك الروم بضرب رقابنا، فقتل أصحابى وشفع فىّ بطريق من بطارقة الملك، فأطلقني له، فأخذني إلى منزله، وإذا له ابنة مثل الشمس، فعرضها عليّ على أن يقاسمنى نعمته وأدخل معه في دينه فأبيت، وخلت بى ابنته فعرضت نفسها على فامتنعت، فقالت: ما يمنعك من ذلك؟ فقلت: يمنعني ديني، فلا أترك ديني لامرأة ولا لشيء. فقالت: تريد الذهاب إلى بلادك؟ قلت: نعم، فقالت: سر على هذا النجم بالليل واكمن بالنهار، فإنه يلقيك إلى بلادك، قال: فسرت كذلك، قال فبينا أنا في اليوم الرابع مكمن إذا بخيل مقبلة فخشيت أن تكون في طلبى، فإذا أنا بأصحابي الذين قتلوا ومعهم آخرون على دواب شهب، فقالوا: عمير؟ فقلت: عمير. فقلت: لهم أو ليس قد قتلتم؟ قالوا: بلى، ولكن الله ﷿ نشر الشهداء وأذن لهم أن يشهدوا جنازة عمر بن عبد العزيز، قال: ثم قال لي بعضهم: ناولني يدك يا عمير، فأردفتى فسرنا يسيرا ثم قذف بى قذفة وقعت قرب منزلي بالجزيرة، من غير أن يكون لحقني شر.
وقال رجاء بن حيوة: كان عمر بن عبد العزيز قد أوصى إلى أن أغسله وأكفنه، فإذا حللت عقدة الكفن أن انظر في وجهه فأدلى، ففعلت فإذا وجهه مثل القراطيس بياضا، وكان قد أخبرنى أنه كل من دفنه قبله من الخلفاء وكان يحل عن وجوههم فإذا هي مسودة. وروى ابن عساكر في ترجمة يوسف ابن ماهك قال: بينما نحن نسوى التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا من السماء كتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار. ساقه من طريق إبراهيم بن بشار عن عباد بن عمرو عن محمد بن يزيد البصري عن يوسف بن ماهك فذكره، وفيه غرابة شديدة والله أعلم. وقد رئيت له منامات صالحة، وتأسف عليه الخاصة والعامة، لا سيما العلماء والزهاد والعباد. ورثاه الشعراء، فمن ذلك ما أنشده أبو عمرو الشيباني لكثير عزة يرثى عمر: -
عمت صنائعه فعم هلاكه … فالناس فيه كلهم مأجور
والناس مأتمهم عليه واحد … في كل دار رنة وزفير
يثنى عليك لسان من لم توله … خيرا لأنك بالثناء جدير
ردت صنائعه عليه حياته … فكأنه من نشرها منشور
وقال جرير يرثى عمر بن عبد العزيز ﵀: -
ينعى النعاة أمير المؤمنين لنا … يا خير من حج بيت الله واعتمرا