من قيادك مع ما آتاك الله وفضلك به على كثير من الناس، حتى أنزلك منازل الكافرين والفاسقين.
قال الله تعالى ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ، * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ * وَزُخْرُفاً﴾ الآية. قال: فوجم الملك عند ذلك وبكى وقال: جزاك الله خيرا، وأكثر في المسلمين مثلك. وقد قحط في بعض السنين فأمره الملك أن يستسقى للناس، فلما جاءته الرسالة مع البريد قال للرسول: كيف تركت الملك؟ فقال تركته أخشع ما يكون وأكثره دعاء وتضرعا. فقال القاضي: سقيتم والله، إذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء. ثم قال لغلامه: ناد في الناس الصلاة. فجاء الناس إلى محل الاستسقاء وجاء القاضي منذر فصعد المنبر والناس ينظرون إليه ويسمعون ما يقول، فلما أقبل عليهم كان أول ما خاطبهم به قال:
﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ثم أعادها مرارا فأخذ الناس في البكاء والنحيب والتوبة والانابة، فلم يزالوا كذلك حتى سقوا ورجعوا يخوضون الماء.
[أبو الحسن على بن أحمد]
ابن المرزبان الفقيه الشافعيّ، تفقه بأبي الحسين بن القطان وأخذ عنه الشيخ أبو حامد الأسفراييني. قال ابن خلكان: كان ورعا زاهدا ليس لأحد عنده مظلمة، وله في المذهب وجه، وكان له درس ببغداد. توفى في رجب منها.
[ثم دخلت سنة سبع وستين وثلاثمائة]
فيها دخل عضد الدولة إلى بغداد وخرج منها عز الدولة بختيار واتبعه عضد الدولة وأخذ معه الخليفة فاستعفاه فأعفاه، وسار عضد الدولة وراءه فأخذه أسيرا، ثم قتل سريعا وتصرمت دولته واستقر أمر عضد الدولة ببغداد، وخلع عليه الخليفة الخلع السنية والأسورة والطوق، وأعطاه لواءين أحدهما ذهب والآخر فضة، ولم يكن هذا لغيره إلا لأولياء العهد، وأرسل إليه الخليفة بتحف سنية، وبعث عضد الدولة إلى الخليفة أموالا جزيلة من الذهب والفضة واستقرت يده على بغداد وما والاها من البلاد، وزلزلت بغداد مرارا في هذه السنة، وزادت دجلة زيادة كثيرة غرق بسببها خلق كثير، وقيل لعضد الدولة إن أهل بغداد قد قلوا كثيرا بسبب الطاعون وما وقع بينهم من الفتن بسبب الرفض والسنة وأصابهم حريق وغرق، فقال: إنما يهيج الشر بين الناس هؤلاء القصاص والوعاظ، ثم رسم أن أحدا لا يقص ولا يعظ في سائر بغداد ولا يسأل سائل باسم أحد من الصحابة، وإنما يقرأ القرآن فمن أعطاه أخذ منه. فعمل بذلك في البلد، ثم بلغه أن أبا الحسين بن سمعون الواعظ - وكان من الصالحين - لم يترك الوعظ بل استمر على عادته، فأرسل إليه من جاء به،