وعلانيته قال الله هذا عبدي حقا. وقال: إذا دخلتم على مربض فان استطعتم أن يدعو لكم فإنه قد حرّك - أي قد أوقظ من غفلته بسبب مرضه - فدعاؤه مستجاب من أجل كسره ورقة قلبه. وقال:
إن أقبح ما طلبت به الدنيا عمل الآخرة.
[خلافة الوليد بن عبد الملك باني جامع دمشق]
لما رجع من دفن أبيه خارج باب الجابية الصغير - وكان ذلك في يوم الخميس وقيل الجمعة للنصف من شوال من هذه السنة - لم يدخل المنزل حتى صعد المنبر - منبر المسجد الأعظم بدمشق - فخطب الناس فكان مما قال: ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ،﴾ والله المستعان على مصيبتنا في أمير المؤمنين، والحمد لله على ما أنعم علينا من الخلافة، قوموا فبايعوا. فكان أول من قام إليه عبد الله بن همام السلولي وهو يقول: -
الله أعطاك التي لا فوقها … وقد أراد الملحدون عوقها
عنك ويأبى الله إلا سوقها … إليك حتى قلدوك طوقها
ثم بايعه وبايع الناس بعده. وذكر الواقدي أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه لا مقدم لما أخر الله، ولا مؤخر لما قدم الله، وقد كان من قضاء الله وسابقته ما كتبه على أنبيائه وحملة عرشه وملائكته الموت، وقد صار إلى منازل الأبرار بما لاقاه في هذه الأمة - يعنى بالذي يحق لله عليه - من الشدة على المريب واللين لأهل الحق والفضل وإقامة ما أقام الله من منار الإسلام وإعلائه من حج هذا البيت وغزو هذه الثغور وشن هذه الغارات على أعداء الله ﷿ فلم يكن عاجزا ولا مفرطا، أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة فان الشيطان مع الواحد، أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الّذي فيه عيناه، ومن سكت مات بدائه. ثم نزل فنظر ما كان من دواب الخلافة فحازها.
وكان جبارا عنيدا. وقد ورد في ولاية الوليد حديث غريب، وإنما هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك كما سيأتي، وكما تقدم تقريره في دلائل النبوة في باب الاخبار عن الغيوب المستقبلة، فيما يتعلق بدولة بنى أمية، وأما الوليد بن عبد الملك هذا فقد كان صينا في نفسه حازما في رأيه، يقال إنه لا تعرف له صبوة، ومن جملة محاسنه ما صح عنه أنه قال: لولا أن الله قص لنا قصة قوم لوط في كتابه ما ظننا أن ذكرا كان يأتى ذكرا كما تؤتى النساء، كما سيأتي ذلك في ترجمته عند ذكر وفاته، وهو باني مسجد جامع دمشق الّذي لا يعرف في الآفاق أحسن بناء منه، وقد شرع في بنائه في ذي القعدة من هذه السنة، فلم يزل في بنائه وتحسينه مدة خلافته وهي عشر سنين، فلما أنهاه انتهت أيام خلافته كما سيأتي بيان ذلك مفصلا. وقد كان موضع هذا المسجد كنيسة يقال لها كنيسة يوحنا، فلما فتحت الصحابة دمشق جعلوها مناصفة، فأخذوا منها الجانب الشرقي فحولوه مسجدا، وبقي الجانب الغربي كنيسة