الجوزي: وفي يوم الأحد لثمان مضين من شوال منها - وهو سابع كانون الأول - سقط ببغداد ثلج عظيم جدا حصل بسببه برد شديد، بحيث أتلف كثيرا من النخيل والأشجار، وجمدت الأدهان حتى الأشربة، وماء الورد والخل والخلجان الكبار، ودجلة. وعقد بعض مشايخ الحديث مجلسا للتحديث على متن دجلة من فوق الجمد، وكتب هنالك، ثم انكسر البرد بمطر وقع فأزال ذلك كله ولله الحمد. وفيها قدم الحجاج من خراسان إلى بغداد فاعتذر إليهم مؤنس الخادم بأن القرامطة قد قصدوا مكة، فرجعوا ولم يتهيأ الحج في هذه السنة من ناحية العراق بالكلية. وفي ذي القعدة عزل الخليفة وزيره أبا العباس الخصيبى بعد سنة وشهرين، وأمر بالقبض عليه وحبسه، وذلك لاهماله أمر الوزارة والنظر في المصالح، وذلك لاشتغاله بالخمر في كل ليلة فيصبح مخمورا لا تمييز له، وقد وكل الأمور إلى نوابه فخانوا وعملوا مصالحهم، وولى أبا القاسم عبيد الله بن محمد الكلوذاني نيابة عن على بن عيسى، حتى يقدم، ثم أرسل في طلب على بن عيسى وهو بدمشق، فقدم بغداد في أبهة عظيمة، فنظر في المصالح الخاصة والعامة، ورد الأمور إلى السداد، وتمهدت الأمور.
واستدعى بالخصيبى فتهدده ولامه وناقشه على ما كان يعتمده ويفعله في خاصة نفسه من معاصي الله ﷿، وفي الأمور العامة، وذلك بحضرة القضاة والأعيان. ثم رده إلى السجن. وفيها أخذ نصر ابن أحمد الساماني الملقب بالسعيد بلاد الري وسكنها إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة. وفيها غزت الصائفة من طرسوس بلاد الروم فغنموا وسلموا. ولم يحج ركب العراق خوفا من القرامطة.
وفيها توفى من الأعيان سعد النوبي صاحب باب النوبي من دار الخلافة ببغداد في صفر، وأقيم أخوه مكانه في حفظ هذا الباب الّذي صار ينسب بعد إليه. ومحمد بن محمد الباهلي. ومحمد بن عمر ابن لبابة القرمطى. ونصر بن القاسم الفرائضى الحنفي أبو الليث، سمع القواريري وكان ثقة عالما بالفرائض على مذهب أبى حنيفة، مقربا جليلا.
[ثم دخلت سنة خمس عشرة وثلاثمائة]
في صفر منها كان قدوم على بن عيسى الوزير من دمشق، وقد تلقاه الناس إلى أثناء الطريق، فمنهم من لقيه إلى الأنبار، ومنهم دون ذلك. وحين دخل إلى الخليفة خاطبه الخليفة فأحسن مخاطبته ثم انصرف إلى منزله، فبعث الخليفة وراءه بالفرش والقماش وعشرين ألف دينار، واستدعاه من الغد فخلع عليه فأنشد وهو في الخلعة:
ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها … فكيف ما انقلبت به انقلبوا
يعظمون أخا الدنيا فان وثبت … يوما عليه بما لا يشتهي وثبوا
وفيها جاءت الكتب بأن الروم دخلوا شميساط وأخذوا جميع ما فيها، ونصبوا فيها خيمة الملك