فقهاء بغداد فأنكروا ذلك وكفروا من أعتقده، فكتبه. فقال الوزير: إن أبا العباس بن عطاء يقول بهذا. فقالوا: من قال بهذا فهو كافر. ثم طلب الوزير ابن عطاء إلى منزله فجاء فجلس في صدر المجلس فسأله عن قول الحلاج فقال: من لا يقول بهذا القول فهو بلا اعتقاد. فقال الوزير لابن عطاء: ويحك تصوب مثل هذا القول وهذا الاعتقاد؟ فقال ابن عطاء: مالك ولهذا، عليك بما نصبت له من أخذ اموال الناس وظلمهم وقتلهم فما لك ولكلام هؤلاء السادة من الأولياء. فأمر الوزير عند ذلك بضرب شدقيه ونزع خفيه وأن يضرب بهما على رأسه، فما زال يفعل به ذلك حتى سال الدم من منخريه، وأمر بسجنه. فقالوا له: إن العامة تستوحش من هذا ولا يعجبها. فحمل إلى منزله، فقال ابن عطاء:
اللهمّ اقتله واقطع يديه ورجليه. ثم مات ابن عطاء بعد سبعة أيام، ثم بعد مدة قتل الوزير شر قتلة، وقطعت يداه ورجلاه وأحرقت داره. [وكان العوام يرون ذلك بدعوة ابن عطاء على عادتهم في مرائيهم فيمن أوذى ممن لهم معه هوى. بل قد قال ذلك جماعة ممن ينسب إلى العلم فيمن يؤذى ابن عربي أو يحط على حسين الحلاج أو غيره. هذا بخطيئة فلان](١) وقد اتفق علماء بغداد على كفر الحلاج وزندقته، وأجمعوا على قتله وصلبه، وكان علماء بغداد إذ ذاك هم الدنيا.
قال أبو بكر محمد بن داود الظاهري حين أحضر الحلاج في المرة الأولى قبل وفاة أبى بكر هذا وسئل عنه فقال: إن كان ما أنزل الله على نبيه ﷺ حقا وما جاء به حقا فما يقوله الحلاج باطل. وكان شديدا عليه. وقال أبو بكر الصولي: قد رأيت الحلاج وخاطبته فرأيته جاهلا يتعاقل، وغبيا يتبالغ، وخبيثا مدعيا، وراغبا يتزهد، وفاجرا يتعبد. ولما صلب في أول مرة ونودي عليه أربعة أيام سمعه بعضهم وقد جيء به ليصلب وهو راكب على بقرة يقول: ما أنا بالحلاج، ولكن ألقى على شبهه وغاب عنكم فلما أدنى إلى الخشبة ليصلب عليها سمعته وهو مصلوب يقول: يا معين الفنا على أعنى على الفنا. وقال بعضهم سمعته وهو مصلوب يقول: إلهي أصبحت في دار الرغائب، انظر إلى العجائب، إلهي إنك تتودد إلى من يؤذيك فكيف بمن يؤذى فيك.
[ذكر صفة مقتل الحلاج]
قال الخطيب البغدادي وغيره: كان الحلاج قد قدم آخر قدمة إلى بغداد فصحب الصوفية وانتسب إليهم، وكان الوزير إذ ذاك حامد بن العباس، فبلغه أن الحلاج قد أضل خلقا من الحشم والحجاب في دار السلطان، ومن غلمان نصر القشوري الحاجب، وجعل لهم في جملة ما ادعاه أنه يحيى الموتى، وأن الجن يخدمونه ويحضرون له ما شاء ويختار ويشتهيه. وقال: إنه أحيا عدة من الطير.
وذكر لعلى بن عيسى أن رجلا يقال له محمد بن على القنائي الكاتب يعبد الحلاج ويدعو الناس إلى