إِمَامًا فِي الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَالْحَدِيثِ، وَفُنُونٍ كَثِيرَةٍ، وله المصنفات الكثيرة النافعة، كالمهذب في المذهب، والتنبيه، والنكت في الخلاف، واللمع في أصول الفقه، والتبصرة، وطبقات الشافعية وَغَيْرِ ذَلِكَ. قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرْتُ تَرْجَمَتُهُ مُسْتَقْصَاةً مطولة فِي أَوَّلِ شَرْحِ التَّنْبِيهِ، تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ فِي دَارِ أبى المظفر بن رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، وَغَسَّلَهُ أَبُو الْوَفَا بْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِبَابِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ، وَشَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ، وَتَقَدَّمَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَبُو الْفَتْحِ الْمُظَفَّرُ ابْنُ رئيس الرؤساء، وكان يومئذ لابسا ثياب الْوَزَارَةِ، ثُمَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ مَرَّةً ثَانِيَةً بِجَامِعِ الْقَصْرِ، وَدُفِنَ بِبَابِ أَبْرَزَ فِي تُرْبَةٍ مُجَاوِرَةٍ لِلنَّاحِيَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدِ امْتَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ في حياته وبعد وفاته، وله شِعْرٌ رَائِقٌ، فَمِمَّا أَنْشَدَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ مِنْ شَعْرِهِ قَوْلُهُ:
سَأَلْتُ النَّاسَ عَنْ خِلٍّ وَفِيٍّ ... فَقَالُوا مَا إِلَى هَذَا سَبِيلُ
تَمَسَّكْ إِنْ ظَفِرْتَ بِذَيْلِ حُرٍّ ... فَإِنَّ الْحُرَّ فِي الدُّنْيَا قَلِيلُ
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَلَمَّا تُوُفِّيَ عَمِلَ الفقهاء عزاءه بالنظاميّة، وَعَيَّنَ مُؤَيِّدُ الْمُلْكِ أَبَا سَعْدٍ الْمُتَوَلِّيَ مَكَانَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى نِظَامِ الْمُلْكِ كَتَبَ يَقُولُ: كَانَ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ تُغْلَقَ الْمَدْرَسَةُ سَنَةً لِأَجْلِهِ، وَأَمَرَ أَنْ يُدَرِّسَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ فِي مَكَانِهِ.
طَاهِرُ بْنُ الحسين
ابن أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَوَّاسُ، قَرَأَ الْقُرْآنَ وَسَمِعَ الْحَدِيثَ وَتَفَقَّهَ عَلَى الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ وَأَفْتَى وَدَرَّسَ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ المنصور للمناظرة والفتوى، وكان ورعا زاهدا ملازما لمسجده خمسين سنة، توفى عَنْ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ قَرِيبًا مِنَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِيَّانَا.
مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بْنِ إِسْمَاعِيلَ
أَبُو طَاهِرٍ الْأَنْبَارِيُّ الْخَطِيبُ، وَيُعْرَفُ بابن أبى الصفر، طَافَ الْبِلَادَ وَسَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ ثِقَةً صَالِحًا فَاضِلًا عَابِدًا، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، وَرَوَى عَنْهُ مُصَنَّفَاتِهِ، تُوُفِّيَ بِالْأَنْبَارِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ عَنْ نَحْوٍ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ جرادة
أحد الرُّؤَسَاءِ بِبَغْدَادَ، وَهُوَ مِنْ ذَوِي الثَّرْوَةِ وَالْمُرُوءَةِ، كَانَ يُحْزَرُ مَالُهُ بِثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَ أَصْلُهُ مِنْ عُكْبَرَا فَسَكَنَ بَغْدَادَ، وَكَانَتْ لَهُ بِهَا دَارٌ عَظِيمَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثِينَ مَسْكَنًا مُسْتَقِلًّا، وَفِيهَا حَمَّامٌ وَبُسْتَانٌ، وَلَهَا بَابَانِ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَسْجِدٌ، إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فِي إحداهما لَا يُسْمَعُ الْآخَرُ مِنِ اتِّسَاعِهَا، وَقَدْ كَانَتْ زَوْجَةُ الْخَلِيفَةِ الْقَائِمِ حِينَ وَقَعَتْ فِتْنَةُ الْبَسَاسِيرِيِّ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، نَزَلَتْ عِنْدَهُ فِي جِوَارِهِ، فَبَعَثَ إِلَى الْأَمِيرِ قُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ أَمِيرِ الْعَرَبِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute