بالشارع، وخطب بالجامع الّذي أنشأه قوصون بين جامع طولون والصالحية، يوم الجمعة حادي عشر رمضان وحضر السلطان وأعيان الأمراء الخطبة، خطب به يومئذ قاضى القضاة جلال الدين القزويني الشافعيّ، وخلع عليه خلعة سنية، واستقل في خطابته بدر الدين بن شكري.
وخرج الركب الشامي يوم السبت حادي عشر شوال وأميره سيف الدين المرساوى صهر بلبان البيري، وقاضيه شهاب الدين ابن المجد عبد الله مدرس الاقبالية، ثم تولى قضاء القضاة كما سيأتي، وممن حج في هذه السنة رضى الدين بن المنطيقى، والشمس الأردبيلي شيخ الجاروضية وصفى الدين ابن الحريري، وشمس الدين ابن خطيب بيروذ، والشيخ محمد النيربانى وغيرهم، فلما قضوا مناسكهم رجعوا إلى مكة لطواف الوداع، فبينما هم في سماع الخطبة إذ سمعوا جلبة الخيل من بنى حسن وعبيدهم، قد حطموا على الناس في المسجد الحرام، فثار إلى قتالهم الأتراك فاقتتلوا فقتل أمير من الطبلخانات بمصر، يقال له سيف الدين جخدار وابنه خليل، ومملوك له، وأمير عشيرة يقال له الباجي، وجماعة من الرجال والنساء ونهبت أموال كثيرة، ووقعت خبطة عظيمة في المسجد، وتهارب الناس إلى منازلهم بأبيار الزاهر، وما كادوا يصلون إليها وما أكملت الجمعة إلا بعد جهد، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. واجتمعت الأمراء كلهم على الرجعة إلى مكة للاخذ بالثأر منهم، ثم كروا راجعين وتبعهم العبيد حتى وصلوا إلى مخيم الحجيج، وكادوا ينهبون الناس عامة جهرة، وصار أهل البيت في آخر الزمان يصدون الناس عن المسجد الحرام، وبنو الأتراك هم الذين ينصرون الإسلام وأهله ويكفون الأذية عنهم بأنفسهم وأموالهم، كما قال تعالى ﴿إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ﴾
[وممن توفى فيها من الأعيان.]
[علاء الدين ابن الأثير]
كاتب السر بمصر، على بن أحمد بن سعيد بن محمد بن الأثير الحلبي الأصل، ثم المصري، كانت له حرمة ووجاهة وأموال وثروة ومكانة عند السلطان، حتى ضربه الفالج في آخر عمره فانعزل عن الوظيفة وباشرها ابن فضل الله في حياته.
[الوزير العالم أبو القاسم]
محمد بن محمد بن سهل بن محمد بن سهل الأزدي الغرناطي الأندلسى، من بيت الرئاسة والحشمة ببلاد المغرب، قدم علينا إلى دمشق في جمادى الأولى سنة أربع وعشرين، وهو بعزم الحج، فسمعت بقراءته صحيح مسلم في تسعة مجالس على الشيخ نجم الدين بن العسقلاني. قراءة صحيحة، ثم كانت وفاته في القاهرة في ثانى عشرين المحرم، وكانت له فضائل كثيرة في الفقه والنحو والتاريخ والأصول، وكان عالى الهمة شريف النفس محترما ببلاده جدا، بحيث إنه يولى الملوك ويعزلهم، ولم يل هو مباشرة شيء ولا أهل بيته، وإنما كان يلقب بالوزير مجازا.