قحطبة وأمده بالعساكر، فسار ابن ضبارة حتى التقى مع قحطبة في عشرين ألفا، فلما تواجه الفريقان رفع قحطبة وأصحابه المصاحف ونادى المنادي: يا أهل الشام، إنا ندعوكم إلى ما في هذا المصحف، فشتموا المنادي وشتموا قحطبة، فأمر قحطبة أصحابه أن يحملوا عليهم، فلم يكن بينهم كبير قتال حتى انهزم أصحاب ابن ضبارة، واتبعهم أصحاب قحطبة فقتلوا منهم خلقا كثيرا، وقتلوا ابن ضبارة في العسكر [لشجاعته فإنه لم يول] وأخذوا من عسكرهم ما لم يحد ولا يوصف.
وفيها حاصر قحطبة نهاوند حصارا شديدا حتى سأله أهل الشام الذين بها أن يمهل أهلها حتى يفتحوا له الباب، ففتحوا له الباب وأخذوا لهم منه أمانا، فقال لهم من بها من أهل خراسان: ما فعلتم؟ فقالوا: أخذنا لنا ولكم أمانا، فخرجوا ظانين أنهم في أمان، فقال قحطبة للامراء الذين معه: كل من حصل عنده أسير من الخراسانيين فليضرب عنقه وليأتنا برأسه، ففعلوا ذلك ولم يبق ممن كان هرب من أبى مسلم أحد، وأطلق الشاميين وأوفى لهم عهدهم وأخذ عليهم الميثاق أن لا يمالئوا عليه عدوا. ثم بعث قحطبة أبا عون إلى شهرزور، عن أمر أبى مسلم في ثلاثين ألفا فافتتحها، وقتل نائبها عثمان بن سفيان. وقيل لم يقتل بل تحول إلى الموصل والجزيرة وبعث إلى قحطبة بذلك، ولما بلغ مروان خبر قحطبة وأبى مسلم وما وقع من أمرهما، تحول مروان من حران فنزل بمكان يقال له الزاب الأكبر.
وفيها قصد قحطبة في جيش كثيف نائب العراق يزيد بن عمر بن هبيرة. فلما اقترب منه تقهقر ابن هبيرة إلى ورائه، وما زال يتقهقر إلى أن جاوز الفرات، وجاء قحطبة فجازها وراءه، وكان من أمرهما ما سنذكره في السنة الآتية إن شاء الله تعالى.
[ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين ومائة]
في المحرم منها جاز قحطبة بن شبيب الفرات ومعه الجنود والفرسان، وابن هبيرة مخيم على فم الفرات مما يلي الفلوجة، في خلق كثير وجم غفير، وقد أمده مروان بجنود كثيرة، وانضاف إليه كل من انهزم من جيش ابن ضبارة. ثم إن قحطبة عدل إلى الكوفة ليأخذها، فاتبعه ابن هبيرة. فلما كانت ليلة الأربعاء لثمان مضين من المحرم اقتتلوا قتالا شديدا وكثر القتل في الفريقين، ثم ولى أهل الشام منهزمين واتبعهم أهل خراسان، وفقد قحطبة من الناس فأخبرهم رجل أنه قتل وأوصى أن يكون أمير الناس من بعده ولده الحسن، ولم يكن الحسن حاضرا، فبايعوا حميد بن قحطبة لأخيه الحسن وذهب البريد إلى الحسن ليحضر. وقتل في هذه الليلة جماعة من الأمراء. والّذي قتل قحطبة معن ابن زائدة، ويحيى بن حصين وقيل بل قتله رجل ممن كان معه آخذا بثأر ابني نصر بن سيار فالله أعلم. ووجد قحطبة في القتلى فدفن هنالك، وجاء الحسن بن قحطبة فسار نحو الكوفة، وقد خرج بها