هشام، فقصدوا نحوها، فاعترضهم جيش بأرض الجزيرة فاقتتلوا معهم قتالا عظيما، فقتلوا عامة أصحاب بهلول الخارجي. ثم إن رجلا من جديلة يكنى أبا الموت ضرب بهلولا ضربة فصرعه وتفرقت عنه بقية أصحابه، وكانوا جميعهم سبعين رجلا، وقد رثاهم بعض أصحابهم (١) فقال: -
بدلت بعد أبى بشر وصحبته … قوما عليّ مع الأحزاب أعوانا
بانوا كأن لم يكونوا من صحابتنا … ولم يكونوا لنا بالأمس خلانا
يا عين أذرى دموعا منك تهتانا … وابكى لنا صحبة بانوا وجيرانا
خلوا لنا ظاهر الدنيا وباطنها … وأصبحوا في جنان الخلد جيرانا
ثم تجمع طائفة منهم أخرى على بعض أمرائهم فقاتلوا وقتلوا وقتلوا، وجهزت إليهم العساكر من عند خالد القسري، ولم يزل حتى أباد خضراءهم ولم يبق لهم باقية. وفيها غزا أسد القسري بلاد الترك، فعرض عليه ملكهم طرخان خان ألف ألف فلم يقبل منه شيئا، وأخذه قهرا فقتله صبرا بين يديه، وأخذ مدينته وقلعته وحواصله ونساءه وأمواله. وفيها خرج الصحاري بن شبيب الخارجي واتبعه طائفة قليلة نحو من ثلاثين رجلا، فبعث إليهم خالد القسري جندا فقتلوه وجميع أصحابه، فلم يتركوا منهم رجلا واحدا. وحج بالناس في هذه السنة أبو شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك، وحج معه ابن شهاب الزهري ليعلمه مناسك الحج، وكان أمير مكة والمدينة والطائف محمد بن هشام بن إسماعيل، وأمير العراق والمشرق وخراسان خالد القسري، ونائبة على خراسان بكمالها أخوه أسد ابن عبد الله القسري، وقد قيل إنه توفى في هذه السنة، وقيل في سنة عشرين فالله أعلم. ونائب أرمينية وأذربيجان مروان الحمار والله أعلم.
[سنة عشرين ومائة من الهجرة]
فيها غزا سليمان بن هشام بلاد الروم وافتتح فيها حصونا، وفيها غزا إسحاق بن مسلم العقيلي تومان شاه، وافتتحها وخرب أراضيها. وفيها غزا مروان بن محمد بلاد الترك، وفيها كانت وفاة أسد ابن عبد الله القسري أمير خراسان، وكانت وفاته بسبب أنه كانت له دبيلة في جوفه، فلما كان مهرجان هذه السنة قدمت الدهاقين - وهم أمراء المدن الكبار - من سائر البلدان بالهدايا والتحف على أسد، وكان فيمن قدم نائب هراة ودهقانها، واسم دهقانها خراسان شاه، فقدم بهدايا عظيمة وتحف عزيزة، وكان من جملة ذلك قصر من ذهب، وقصر من فضة، وأباريق من ذهب، وصحاف من ذهب وفضة، وتفاصيل من حرير تلك البلاد ألوان ملونة، فوضع ذلك كله بين يدي أسد حتى امتلأ المجلس، ثم قام الدهقان خطيبا فامتدح أسدا بخصال حسنة، على عقله ورياسته وعدله ومنعه أهله وخاصته أن يظلموا أحدا من الرعايا بشيء قل أو كثر، وأنه قهر الخان الأعظم، وكان في مائة ألف
(١) هو الضحاك بن قيس. انظر الطبري (١٦٢٧:٢) طبع أوربا