أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَمُوتُ يَوْمَ أَمُوتُ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارَانِ إِلَّا أَنْ أُرْصِدَهُمَا لِدَيْنٍ» . قَالَ فَمَاتَ فَمَا تَرَكَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ولا عبدا ولا وليدة، فترك دِرْعَهُ رَهْنًا عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَقَدْ رَوَى آخِرَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيِّ عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ الْعَبْدِيِّ الْكُوفِيِّ بِهِ. وَلِأَوَّلِهِ شَاهَدٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَأَبُو سَعِيدٍ وَعَفَّانُ. قَالُوا: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ- هُوَ ابْنُ يَزِيدَ- ثَنَا هِلَالٍ- هُوَ ابْنُ خَبَّابٍ- عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ. فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ فِي الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِصَّةِ الْإِيلَاءِ. وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا شاكله في بيان زهده عليه السلام وَتَرْكِهِ الدُّنْيَا، وَإِعْرَاضِهِ عَنْهَا، وَاطِّرَاحِهِ لَهَا، وَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ تَكُنِ الدُّنْيَا عِنْدَهُ بِبَالٍ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ. قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ. قَالَ وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ طَلْحَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى أَأَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ لَا. فَقُلْتُ كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ، أَوْ أُمِرُوا بِهَا؟ قَالَ أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بن مغول.
تنبيه: قد ورد أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ سَنُورِدُهَا قَرِيبًا بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ فِي ذِكْرِ أَشْيَاءَ كَانَ يَخْتَصُّ بِهَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ دُورٍ ومساكن لنسائه وَإِمَاءٍ وَعَبِيدٍ وَخُيُولٍ وَإِبِلٍ وَغَنَمٍ وَسِلَاحٍ وَبَغْلَةٍ وَحِمَارٍ وَثِيَابٍ وَأَثَاثٍ وَخَاتَمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سنوضحه بطرقه ودلائله، فلعله عليه السلام تَصَدَّقَ بِكَثِيرٍ مِنْهَا فِي حَيَاتِهِ مُنْجِزًا، وَأَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقَ مِنْ إِمَائِهِ وَعَبِيدِهِ، وَأَرْصَدَ مَا أَرْصَدَهُ مِنْ أَمْتِعَتِهِ، مَعَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَرَضِينَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ وَخَيْبَرَ وَفَدَكَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يُورَثُ عَنْهُ قَطْعًا لِمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا وباللَّه الْمُسْتَعَانُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute